إلى ولدي الذي لم يولد بعد ...!!
بقلم الأستاذ: جعدان جعدان
إنك ستلد ذات يوم وستكبر، وستقف عند ذلك على أكداس وأكوام من قاذورات أخطاء أبيك ... إنَّ سعينا لم يبزغ شروقه بعد ...
أوصيك يا بنيَّ: بأن تحب وتحترم بسمات الأطفال في أحضان الأمهات، وثغاء الخراف عند الخروج من حظائرها وشروق الشمس عند الصباح، وأزهار الحقول..
أحبَّ يا بنيَّ كل جميل.. واعلم يا بنيَّ ليس على الأرض زرعٌ يدوم ولكن هناك حصادٌ يتجدّد، وأنَّ الأنفس الشريرة تضع للمناجل أسناناً حادَّةً من حديد، وناراً تحصد الرؤوس الآدمية..
اعلم يا ولدي: إن شرقنا غارقٌ في القيم حتَّى الأذقان، ولكن من دواعي الأسى يتّخذ من القيم طُعماً وآلةً لاصطياد الأنفس البريئة.. مستخدماً المشاعر العاطفية، والقيم النبيلة دروعاً مقدّسة للظفر بالصيد الثمين..
اعلم يا بنيَّ: من أضاع، وأفنى ربيع شبابه في العبث والمجون لا يقطف في خريفه إلا المرارة واليأس.. ومن شبَّ على الفوضى والتردد عاش حياته قلقاً مضطرباً .
ولدي الذي لم يولد بعد: الضلال الفكري مرضٌ خطير يجب استئصال شأفته، والتشاؤم داءُ يحوِّل حياتك إلى جحيم فاتخذْ العقل والعلم والأمل سراجاً وهاجاً لك، وحاول روح الإبداع والاختراع في دماغك... اتخذ جريان النهر قدوةً لك فالنهر يجري ويتجدد ماؤه أثناء المسير، وتخضرُّ الأرض من حوله، وتزهر الزهور والورود.. عبر جريانه.. يا بني يجب أن تنبثق قوانيننا من أخلاقياتنا المتجذِّرة..
وإن الحقيقة أسمى شموخاً من المنفعة العابرة.. ويشترط في نشرها الحب والتسامح والكياسة لا عن طريق الوعيد والتهديد والقهر والتعصب والقمع..
الحقيقة يا بني كالشمس الساطعة.. كل الناس يعرفونها بامتياز ولكن أصحاب النزوات الآنية الفردية يسفّهونها إن اختلفت باختلاف الأزمان والأمكنة.. فإن اختلافها عرضيُّ لا جوهري ولولا ذلك لما توصلت البشرية إلى حقائق كلية موضوعية مشتركة بين الناس كافة..
آن لنا يا بنيَّ أن نشرب من المنهل الرويّ الصافي الذي شرب منه قادة الفكر، وعمالقة البيان في كل زمان ومكان وساروا في طريق الحق والخير والإبداع.
الحياة علمٌ وعملٌ وأملٌ متجدد وهي أيضاً خبرة واقتباسٌ وحكمةٌ وعمل لإصلاح الحاضر .
أوصيك يا بنيَّ بالمقدستين في هذه الأرض: أمتُكَ ووطنُكَ بهما تخلد في دفتر الزمان.. وإياك يا بنيَّ العاطفة الطاغية.. إن القليل من الجهد المنظم يغني عن الكثير من الحماسة المشتتة كما أن القليل من الفطنة المركزة خيرٌ من الكثير من الذكاء المبعثر..
الحياة يا بني مسرحيةُ خيرٌ لك أن تبتعد عن رؤية ما وراء الستار فإذا ما رأيت خلف الستار فإما أن تكون الضحية أو أن تكون المخرج..
وإذا رافقت إنساناً تعرّف على جوانبه الايجابية والسلبية واستمر في معاشرته فإنه لا يقدر على إيذائك، تستطيع التغلب عليه إذا راوَدَتهُ نفسه الضرر بك، أمّا إذا كنت جاهلاً بما في داخله فأنت لقمة سهلة لابتلاعك.
خيرُ الإيديولوجيات يا بني ما نَبَعَتْ من عقولنا اليقظة المستقلة وعَبَّرت عن أصالتنا ووافقت طبائعنا، وجاءت أصولها العميقة ملائمة لحاجاتنا وميولنا ومبتغانا...
وداعاً يا ولدي الآتي من طلسم الغيب.. قد دنا أجلي واقتربتْ منيّتي.. سوف تقرأ كلماتي تصطدم وتضجر ثم تهدأ رويداً رويداً .
التوقيع: والدك الذي لم ينحنِ للسُّفهاء يوماً ..!!
4/6/2012