لقاء مع الشاعرة هدى محمد
(( ليست الإعاقة إعاقة الجسد بل الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر وعدم شعورك بالآخرين )) هدى محمد في كل منطقة نائية هناك قصة لم تروى بعد ، وفي كلّ زاوية ميتة هناك حكاية وعفرين وربوعها الخضراء تمتاز سحر أخاذ ، وجمال رائع تكمن في روابيها ألف قصة منسية ، وألف حكاية حزينة .. تمتاز عفرين بأشجار الزيتون والرمان والتين ، ووسط نواحيها السبع – قصدنا منزلاً متواضعاً في منطقةٍ جبليةٍ ، حيث تسكن الأديبة ( هدى محمد ): المعاقة والتي تبتسم رغم سماحة وجهها الحزين – لتطلق حبها كسفينة نوح في قلوب الناس جميعهم .. تعطي دون مقابل ، وتحب الناس دون اعتبار لما يلم بجوانب حياتها من مآس وأحزان معينة . بجوار سفح جبلي في قريتها الخضراء – التي تسحر العشاق بما تحمل من سحر وجمال لا يضاهيها أي جمال .. قصدنا قرية بيك آوبه ، والتي تبعد عن ناحية بلبل المشهورة بناسها اللطفاء ، والبسطاء – حوالي خمسة كيلو مترات ، وهي قرية ذات طبيعة خلابة – مليئة بأشجار الزيتون والتين والأراضي الخصبة ، والنبع الذي تتدفق المياه منه لتروي كل الأراضي التي تجاورها ، حيث ألتقينا فيها بالأديبة والشاعرة المعاقة (( هدى محمد بنت أحمد )) ، والتي رحبت بنا في منزلها المتواضع ، الذي يقع بجانب الجبل المطل على بيتها الحزين .. برفقة أهلها البسطاء ، وذلك بعد عصر يوم السبت المصادف 12/4/2009 و أجرينا معها اللقاء الممتع على الشكل التالي : أ= من أنتِِ .. !! أجابت : أنا إنسانة عادية – هدى التي تحبها الناس ، وتحب العلاقات الاجتماعية – تعطي دون مقابل ، وتحب الناس بدون استثناء مع إن الناس هم الذين يحق لهم أن يقولوا من أنا ، وكتاباتي هي التي تدل على هويتي .. أ – من هم الذين يمنعوك من الاستمرار في المجال الأدبي ، ويحطمون معنوياتك ؟! كثيرون من هم يذبحون صرختي ويشوهون صورتي كإنسانة أولاً ثم كذاتٍ ثانياً وهم ( أعداء الجهل وأعداء الكتابات .. أعداء كل من يريد العيش بأمن وسلامة )، 2- هل لكِِِِِ أن تحدثنا عن طفولتك قليلاً ..؟ لقد كنت في العمر الخامسة ودرست إلى الصف الخامس الابتدائي وانتقلت من مكان |إلى مكان ونتيجة لإصابتي بالإعاقة فقد كانت نظرات الآنسة حينذاك توحي بأن إعاقتي قد تعدي الآخرين تمنعني من المثابرة وكنت شغوفة بالدارسة وأحب أن أكمل دراستي ولكن الناس لم تتركني في حال سبيلي .. وحتى طموحاتي متوقفة ... كانت طفولتي تغطيها القسوة ولم أشعر قط بأنني عشت طفولة حقيقية .. كنت أشعر بأنني غير مرغوبة ضمن زملائي ووسط المحيط الاجتماعي , وكانت الإعاقة تسبب لي العزلة والانطواء ولكن المديرة كانت تهتم بي وما تزال وكانت علاقتي مع مديرة المدرسة حينذاك حميمة وترعاني : !- حيث ولدت في قرية (آوبه), وبين كل فترة وأخرى أتردد من حلب إلى القرية . 4- ماهي العراقيل التي تعترض رحلتك إلى عالم الخلود ؟ أعتراضات كثيرة منها حينما حاولت أن أنشر كتاباتي كنت أشعر بأنني سأقدم شيئاً للآخرين ولكن !: حالتي تعرقل آلية العطاء والخروج إلى الآخرين وتوصل رسالتي إليهم – إلى جانب نظرات الناس التي كانت تترصد لي بين الحين والحين . كنت أشعر بأن هناك خط أحمر تحت كلمة ((معاق)) تمنعني من التعبير عن نفسي أو عن أنني إنسانة لها الحق في العيش وإبداء الرأي . 5- كيف وجدت نفسك ومتى وجدت نفسك في عالم الأدب ..؟! عالم الأدب هو كل حياتي وهو الذي جعلني أعيش الحياة بكل قسوتها. أرفض الواقع ومازلت أرفضه لأنني أشعر بأنني أخرج من قفص , و أواضع في قفص أكبر – أحب أن أعيش باقي حياتي و أرسمه كيفما أريد أنا لا كما يريده المجتمع ... وقد بدأت بمزاولة فن الكتابة منذ أن كنت أبلغ من العمر 14 عاماً وكنت أرسم لوحاتي مع صديقي القلم الذي يرافقني إذ به أحارب حرقتي وأعدائي . 6- أية قضية تركت وقعاً سيئاً في حياتك ..؟ قضية نظرة المجتمع للمعاق , والتي تمنع المعاق من أن يبدي بما يشعر به من حرية ذاتية ويجب أن أحقق كياني الإنساني , ولكن نظرات الآخرين تعرقل مسيرتي , ورغم كل ذلك أحاول أن أثبت للآخرين أنه من حق المعاق أن يعيش , وأريد إيصال فكرة إن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر وعدم إحساسك بلآخرين وعدم عطاءك , فالإنسان المعطي هو الإنسان الذي يجب أن يعيش . 7- منذ متى وأنت تشعرين بأنك أكبر , وهل وجدت لنفسك هوية وسط زخيم المفاهيم ؟!!. منذ نعومة أظافيري إعتبرت نفسي كبيرة – من الضغوطات التي وجدتها وعانيتها , والمعاناة التي تكبرَ الشخص بالعمر – ليس بعده الأيام , بل بالعطاء والعمر لا يمنعني قط : فمن يحب دائماً حيً في قلوب الناس , لم أشعر بأن لي هوية في ظل مفاهيم المجتمع . 8- منذ متى أيقنت بأن الدنيا لا تعطي , ولماذا تحتفظين بألق الشباب , ضمن دواخل لا شعورك ؟!. منذ أن عاشرت الناس – حيث التقيت بمختلف الأجناس , فشعرت بفراغ وذلك منذ محاولاتي المتكررة في إيصال رسالة إلى الآخر , فشعرت بأن كل الأفراد منشغلين بأنفسهم – وغير مكترثين بالآخرين وآلامهم ... حين لا أجد أحداً يشعر بوجودي – أو حينما لا تصل كتاباتي أو رسومي ... إلى قلوب الآخرين . ب- فالكتابة تعطيني التألق , وتثبت وجودي وتسلط الضوء على الجانب الجميل الذي بداخلي , والذي يجهله معظم الناس ، فالحب هو السبب في أحتفاظي برونق الوجود . 9- ماهي الأحلام التي تسعين إلى تحقيقها ؟! وكيف ترين مرآة الواقع ؟!. أحلامي كثيرة و أولها أن أوصل رسالة إلى المجتمع بأن الإعاقة ليست متعلقة بالجسد , وإيصال رسالتي من خلال تأليف ديوان للآخرين ليعرفونني أكثر , وألا أكون عالاً على احد , وأن أحقق الحب لكل الناس ؛ وأتابع دراستي . ب- مرآة الواقع مؤلمة , لا أشعر بأنها مرآة !!؛ فالمرآة توضح صورة حقيقية وهذه ليست بمرآة .. لأنها (مؤلمة جداً).. ومن باب المداعبة لا أحبذ النظر إلى المرآة , لأنني أخاف منها – أو أحب نفسي فيها . 10- ماهو شعورك بالحب , وهل مررت بقصة حب حقيقية ؟!. ب- الحب لم يكن له وجود في حياتي وعلى أرض الواقع لم أبلغ معناه السامي – وقد أنعزلت منه , منذ زمن طويل , وليس هناك حبً نقي حقيقي – لم أجده إلا في خيالي ؛ وأسامره وأصاحبه !! أما أن يكون موجوداً فلا أعتقد .. فالشيء الذي أريده غير موجود على أرض الواقع إلا في الروايات ... حيث غلف الحب في هذا العصر بالشكل الخارجي , وصار له قوانين , وحصروه بمفهوم عتيق ظاهري –الحب غالباً (إحساس وروح تظهر وتدخل- تنتقل من الشجرة إلى أخرى, وهذا مالم أتلمسه في واقعي). ب- مررت بقصة حب مرة جداً , وكانت المراهقة , وكان حبا من طرف واحد – وهو الدافع لميولي الأدبي , وتألقي في مواكبة كتابتي... ولكن !, كانت القصة مؤلمة جداً ...... وقد مرت 8 سنوات ... ولهذا لزمت الصمت " فالعين في نظري والهمسة تحكي " وإذا دخل في صياغة الكلام فالحب يفقد هويته وألقه ... وهذا للأسف غير موجود في زماننا . 11- متى شعرت بأن في داخلك هوية , وهل حصلت على هويتك كإنسانة أولاً ثم كأدبية ثانيا ...؟!. لم أشعر بهويتي كإنسانة ولا حتى إلا قليلاً , وذلك حينما أقمت أمسية في مديرية الثقافة بسبع بحرات في أب عام 2006 حيث كان ضمن نشاط وفعاليات حلب للثقافة , إذا هناك تلقيت شهادة تكريم من المنتدى الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة , وكان موجوداً حينها مدير الثقافة الأستاذ ((كامل قطان)) , كما شاركت في معرض –باربع لوحات وكان ذلك في عام من ضمن الفعاليات – مع مشاركين ((الأستاذ صلاح سايس , والأستاذ خليل حمسورك)) , حيث أفتح المعرض من قبل محافظ حلب (( تامر حجة )) , حيث قال حينذاك (خليل حمسورك) لو اشترى محافظ حلب لوحة واحدة من لوحات المعاقين – لكان رفع من المستويات , ومعنويات المعاقين , وفي حفلة عيد العالمي شاركت بقصيدة بعنوان "الإعاقة" ليست عــ،اهتنا إعــاقـــة فالعاهة في عقلٍ جامد ألبسهُ الجهلُ, وجــــرده وجعله عقلاً متقاعـــد لا عيب في معاق ينقصهُ قدمُ ... يدُ حتى الساعد حيث تم تكرمي بشهادة تكريم حينذاك ؛ هذا وقد شاركت في جريدة الجماهير عام 2005 بقصيدتي ((أرحل)) ((وقلب يشكو من الصمت)). 12- ما هي الأمنية التي لم تتحقق وتودين تحقيقها ؟!. ج- أن أؤلف دواوين خاصة بي . 13- ما هي الدوافع التي جعلتك تتوجهين إلى كتابة النثر ؟!. المعاناة هي التي دفعتني أن ألجأ إلى قصيدة النثر , لأنها تعطي حرية أكثر للتعبير ... بغنى عن شعر التفعيلة أو الموزون أو العامودي ؛ أشعر بأنها تفتقد الإحساس وباردة – أكتب بحريتي وأرتاح بمزاولة هذه الهواية .. وهذا ينسجم مع ذوي الثقافات المتواضعة ... ومهما كانت شفافة , وسهلة – كانت أُقرب إلى قلوب الناس ... وأحتاج إلى يدٍ تمتد إليّ لتخرج كتاباتي إلى ساحة الوجود , لأنها !, بخروجها تخرج هويتي ....ومنها قصيد بعنوان : " التحدي " قدماي تمكنني أن أركض أمشي وأركـــع ساجـــــــد قدمي أولى علمُ, وعــملُ وقدمي الأخرى برقُ راعد ليست عــاهتــنا إعــاقتنا فالعاهةُ فـــي عــــقل جاـمد ألبسهُ الـــجهل وجــــردهُ وجــعله عــــقلاً متقـــــــاعد وهي قصيدة إهداء بعيد المعاق العالمي للشاعر اللاذقاني ((جمال اللاذقاني)) 14- ما هو رأيك بالحركة الأدبية والثقافية في منطقة عفرين بشكل عام؟!!. إنها حركة جديرة بالأفتخار فهناك حرية – وهناك مواهب جميلة يستحق الوقوف عندها – مع أن الجيل الآني الحاضر يتلقونها بإطار رخيص , ولكن الحركة الثقافية والأدبية بحد ذاتها موهبة ربانية ؛ وهناك بعض الناس يعتبرون الأدباء من غيرهم !- وهم بعيدين عن الأدب كلياً , وقيل ذلك بغض النظر إن كان ((إنساناً أو أديباُ أو شاعراً (فناناً من الداخل )) أي كائن يكون ويجب أن يكون "إنساناً بكلّ معنى الكلمة" 15- ما هي الرسالة التي تودين إيصالها للآخرين؟!!! نصيحتي للآخرين عليهم أن يفكروا بالإنسان على إنه ذاتُ كيان وروح ومشاعر وليست الشهادات هي التي تقيّم الإنسان بل بقيمة معاملته وطريقته تفكيره وأحاسيسهِ ؛و((القيم والمبادئ )) التي ترعرع عليها. 16- حينما تشاهدين أشخاصاً مثلكِ معاقين ما هو الشعور الذي ينتابك؟ّّّّّّّّّّ! أ هي شفقة أنّه الحين إليهم لأنهم يشبهونك؟!!! أشعر بالراحة حينما أشاهد آخرين من بني جنسي معاقين وذالك لأني لست الوحيدة المعاقة وهم أشبه مني إلى ذاتي ــ لأنها تعبر عن تبادل إيصالات مشتركة أعجز عن وصفها وهذا لا يدل على إنني أعبرهم مثلي 17- هل لديك هوايات أخرى تنقينها؟!!! نعم لدي عدة هوايات منها (الرسم ــ الأعمال اليدوية ((من فساتين وألعاب))) ــ أزياء وذالك منذ نعومة أظافري .... ولدي25 لوحة رسم وأني أتخذها كهواية، وليست كمهنة )؛ فأنا لست شاعرة ، ولست فنانة)ــ بل هواية أما أستاذي ، ومثلي الأعلى هو ( الشاعر بدر شاكر السياب ،وجبران خليل جبران!، لأنه صاحب إحساس جميل عذب وأميلُ أيضا إلى كاتبة روايات وأتأثر بالروائي ((مصطفى لطفي المنفلوطي)) لأن أسلوبه متواضع وشفاف،وكذلك بالشاعر الغالي المرحوم (( نزار قباني))ــ الشاعر المتمكن الذي عّبر عن المرأة بشكل بشكل جاد ،واعتبرها كيان وأعطاها حريتها كما يتوجب أن يكون إضافة إلى كثير من أدباء يشبهون حالتي ،منهم فاقدي البصر أمثال (أبي العلاء المعري وطه حسين والجاحظ؛ وأمثال بيتهوفن الذي كان فقد السمع وتمكن الابتكار في مجال الألحان)،" فالشخص المحروم من حواسه هو الذي يعطي أكثر". 18- هل مصدر حسك فيزيولوجي بالآخرين أم محدث ؟!!. إن إحساسي بالآخرين فيزيولوجي،وليس طارئا ــ محدثا على الإطلاق. 19- هل الجهات المختصة قدموا لكِ كل الخدمات والمساعدات أم أن هناك إهمال وتقصير من قبلهم ؟!!!. في الواقع هناك إهمال كثير من قبل الجهات المختصة لرعاية المعاقين؛ ولا أطلب شيئا من الجهات المختصة سوى أن يشعروا بأنَّ لنا كيان إنساني ــ لنا الحق الذي يمارسه الآخرين. 20- كلمة أخيرة توجهينها للمجتمع؟!!!!!. إعطاء الحرية للمعاق ومنحه كياناً ــ حتى لا يشعر بأنه شاذٌُ، وحبذا لو تكسرت كل القيود التي تعرقل مسيرته ،إذ دائماً هناكَ إشارات استفهام أو خط احمر تحت كلمة (((معاقة))) مع إيماني الشديد بالمقولة: ((ليس هناك شيء أنت عاجز الحصول عليه إذا كِنت مقتنعاً وفكرياً وذهنياُ وبإمكانك الحصول عليه))، فالعجز هو أن تجد نفسك عاجزاُ عن تحقيق ما تستطيع تحقيقه. أجرى اللقاء الكاتب هشيار عبدي تيريج عفرين 13/12/2011
|