* هاقد جاء الخريف بلحن الرحيل مرة ً آخرى , جاء وجلب معه ذكريات ٍ جميلة ٍ كجمال آلوان
آوراقه. وأنا مازلتٌ جالسا ً على كرسيّ أستمع إلى آلحان الخلود التي مازالت تـٌعزف حتى الآن .
مضى عام ٌومازالت الأمواج تدفعني مدّا ً وجزرا ً ولازال الحنين إلى الماضي يأخذني إلى ذاك
الطفل ذي الخمسة أعوام الذي مازال بذاكرته ألعاب رفاقه وعراك أولاد حارته وآصوات جيرانه .
كلما تذكرت الماضي , حزنت على الحاضر ويئستُ من المستقبل. كم من رحلة ٍ يقضيها المرء
متنقلا ً بين هنا وهناك إما متعة ً أو حاجة ,ولكن يبقى الشيء الأجمل من بين كل الأشياء على
الإطلاق هي ألعاب الأطفال المكوّمة في زاوية ٍ من زوايا البكاء في ذاك البيت القديم .
* أيامنا الحلوة هي أيام طفولتنا رغم دموعها وتقلباتها المختلفة, كلما زادت السنين في أعمارنا
كلما زادت الهموم والأعباء ومامن نفس ٍ تعرف بأي أرض ٍ تنتقل إلى جوار الملكوت الأعظم.
المجد لله !! كم غريبة ٌ هي حياتنا والأكثر غرابة ً هي تغييرات النفوس بين ليلة ٍ وضحاها .
فالمستقبل هو الذي يصنع والماضي هو الذي يسجل والحاضر هو الذي يعيش محتارا ً بينهما
غير عارفٍ بما آلت إليه الأمور وبما ستؤول إليه , هكذا كنا وهكذا نكون وهكذا سنكون , كل ٌ
يلعب دوره ومامن خيار ٍ في تغيير الإتجاه .
* سماتنا هي سمات حاضرنا , كيفما كانت صبغتها , اصطبغنا بها وأصبحنا كالدجاجة في القفص
لاتدري متى يحين وقت ذبحها .لاتوقعات ولا احتمالات , بل كل حدث ٍ طارئ هو الحدث الجديد وهو
الخبر المفاجئ للجميع , لاشيء متوقع , كل شيءٍ يحدث بعيدا ً عن تخيلاتنا وإرادتنا , شئنا أم آبينا .
* عندما يغدو الحب فوضى والحنان بلامعنى والعاطفة مجرد كلمة ٍ تتردد على ألسنة المجردين منها
وعندما نجلس بجانب شمعة ٍ نتمتم ونهمس بألغاز ٍ وكلماتٍ لانعرف مداها ولا مضامينها الحقيقية
هنا تكمن قمة الفوضى في الروح والإحساس معا ً . معظم النهايات تكون متشابهة من حيث النتيجة
رغم اختلاف الأسباب وماهو المهم هو أننا لا نتراجع عن قراراتنا وإن سببنا ألما ً لآخرين أحبونا
حبا ً عميقا ًلاحدود له .
*تبدأ الحكاية بحب الفتى للفتاة الحسناء وحب الفتاة لشاب ٍ آخر وحب ذاك الشاب لفتاةٍ آخرى
والكل هكذا في دوامة ماضون , كل ُ طرف ٍ يريد بسمة ً , همسة ً من الطرف الآخر وهذا الطرف
الآخر غير مكترث ٍ لشعور الطرف الأول , هكذا هي العجلة تدور وتدور وتبدأ المأسأة بنسج خيوط
النهاية لكل طرف وتكون النهاية بموت الفتى وزواج الفتاة من طرف ٍ ثالث,فلا تزوجت من أحبها
ولا من أحبته هي ولكن الحب والقدر سيوصلها إليه وإن كان بالموت,نعم سيعيدها إلى من أحبها
أول مرة, فلربما أحيا الموت قلبها وأحست بقلب ٍ أحبها ومات وهاهي على آبواب السماء لاتعرف
متى سيحين آجلها . رحل المُحب والحبيبة مازالت تصارع الموت ولكن المهم أن النهاية واحدة
وإنها لنهاية مريرة !! تغمد الله كل القلوب المهاجرة وأسكنها فسيح جناته.
* في إحدى أيام الربيع تسلل الحب لقلب إمرأة ٍ ما عرفت الحب قط ّ , عاشت حياة زوجة ٍ لا مُحبة
حياة ٌ مثل أغلبية نساء الكون , بيت ٌ وأولاد ٌ وزوج ٌ ومسؤوليات , فماذا يفعل القلب عندما يأتي
الحب متأخرا ً , فلاشيء يمحي ذاك الحب الأول من قلب ٍ متعطش . كانت مصرة ً على أن تخفي
حبها في قلبها وأن لاتبوح به أبدا ً ولكنها لم تستطع وصرحت لحبيبها بأنها تحبه مثل الهواء
والماء وهو في البداية لم يعلم أي عاطفة ٍ تجتاحه ومن ورائها , وفي خضم الصراع مع معتركات
الدنيا لم يكن ليدري أن الدنيا برمتها أزهرت و الحياة تجددت في عينيه وأصبحت لها معاني أسمى
من أي شيء آخر , دخل الحب قلبه والحنين يشده إلى حبيبته رغم إنها ظلمته بأنه لم يحبها قط ّ
بل كان يحبها وظل كذلك ولم ينساها حتى الآن ولن ينساها , فهي كل مالديه, قلبه أصبح أسيرا ً
لقلبها , فلاشيء يغنيه عنها , ستظل هي الحبيبة الأجمل على الأطلاق , فهي التي أضاءت بحبها
قلبه المظلم المتوتر , وظل يردد مقولته(ما بنساكي شو ما صار , أنتِ عمري وحياتي ) ,هكذا
تمضي الأيام والسنون دونما أي لقاء وربما يرحل دون رؤية وميض عينيها. رحم الله قلبا ً
مُحبا ً في دنياه وفي آخرته .
وفي إحدى ليالي الشتاء الباردة يستيقظ القلب من حلمه ليستمع إلى لحن الحنين عند نافذة
المطر , فينبض ويتوقف ويجدد الكرّة وهكذا مرة ً آخرى ومن ثم يتوقف إلى الآبد وتتكرر
الأغنية مرات ٍ ومرات ٍ ولكن قطرات المطر هي الوحيدة التي تسمع وتتكرر الأغنية وينهمر
المطر وتستمر ليالي الشتاء الطويلة ولكن القلب يرحل ويبقى الحب معلقا ًما بين السماء والأرض .
* في مدينة الأشباح حيث الأحاسيس الميتة وحجارة القبور الممتدة على مد ّ البصر , أقوام ٌ
وطوائف ٌ وكل ٌ له طريقته في الحب والحياة , وفي هذه المدينة يلتقي قلبان مع بعضهما
البعض ويغدو كل شيءٍ جميل ,فهما خٌُـلِقا شمساً وقمرا ً يضيء كل ٌمنهما درب الآخر
ولكن فجأة ً تأتي القوانين لتفرق ما بين القلبين المفطورين ولتمتد الحواجز ما بينهما
على مدى إحدى عشر عاما ً ويمضي العمر بلاتوقف . ويهزأ الدهر من ذاك القلبين اللذين
تحمّلا وعانا قساوة الأيام وجهل العقول التي وقفت بأيد ٍ حديدية ٍ أمام عاشقين من طائفتين
مختلفتين معتقدين بأن تعاليم كل دين ٍ لايسمح بحب ٍ دخيل ٍ من دين ٍ آخر. أي منطق ٍ هذا
الذي يحكم علاقة سامية كهذه؟ فلا حدود للحب ولا قيود. فالله هو الذي شرع المحبة , فلما
يمنعونه ؟ أهو تعصب ٌ أم جهل ٌ أم ثمة أشياء ٌ غير معروفة . صحيح ٌ أن هناك تعدد ٌ في
الآديان والمعتقدات ولكن تبقى جميع الأهداف والغايات والتعاليم لوجه الله والله أنزل المحبة
والسكينة على جميع البشر ولم يخصّ أحدا ً بصفة ٍ دون الآخرى .
وهكذا تمضي الحكاية وتدوربنا الأرض وكل صباح ٍ هناك شمس تشرق وبلابل ٌ تغرد ونجوم ٌ
تسطع ببريقها ليلاً على طرقات أعمارنا الضائعة وكثرة ٌ من القلوب تتشتت وتتفرق وقلة ٌ
تلتقي ولربما عادت هذه القلة وتفرقت من جديد ورجعت من حيث آتت . ورغم كل المصاعب
والمشقات ورغم كل الحجارة الواقفة فوق رؤوسنا تحت الثرى ورغم كل أحاديث الجهلة
والسفلة والصامتين الجالسين على أكوام الأخطاء رغم كل ذلك يعيش الحب آبدا ً خالدا ً في
قلوب أولئك المخلصين لمحبيهم وإن مرت أزمان طويلة ٌُ عليها .
مات هو وماتت هي , ولم يبقى إلا صدى ذاك الحب الذي سيعيش إلى الآبد وإن لم يجد
من يحملونه في ثنايا قلوبهم , لكنه باق ٍ وسيظل ينادي.
تيريج عفرين 5 / 10 / 2008