ما أجمل الغربة ! ... بقلم بريفان ايبو
رسالة مغترب من قامشلي:
لا تدرين يا أمي كم يعتصر قلبي من الأنين ، وحيد بين الجموع ويتيم في عواصف الأفراح ،كالسجينِ في الفسحة الكبيرة أنتظر حكم الأفراج بمنتهى الشغف فأعود للزنزانة من جديد .
سرقت الغربة ريعان شبابي ، و سرقت روحي الفكاهية و طموح الشاب الذي لا يركع للهزيمة،فمن أجل ارضاء عنادي خسرت معركة الحياة جانياً على قدري
ما الذي قادني الى هذه الرحلة المقيتة و ناهبة للروح ؟ ما الذي أجبرني بالتجوال في الشوارع الغريبة رغم تحذيرات الأغلبية لي ؟
ظننت أن الغربة تصنع الرجال ، رجالاً من الحديد و الفولاذ ،فأنني لن أصلح لمسؤولية الرجل اذا لم أجازف وكم رائع ان تكون من الفولاذ،جازفت يا أمي
تعلمت كثيراً و كثيراً ،لست بحاجة للمدرس ليتلو لي دروس القراءة ويسرد حكايات التعبير ،كل ما أحتاجه العودة الى مسقط رأسي و جدران تشعرني بالأمان
مازلت أتذكر المدرسة ومقاعدها بأدق تفاصيلها ،كأنه اليوم و كأنني أعيش تلك المرحلة الآن حيث لم يكتب لي ذلك في وقتها السالف،أتذكر تلك الشوارع المغمورة بالمياه و كيف نقفز فوق الحفر المليئة بالوحل ونصرخ نحن أبطال خارقيين سنساعد الناس و اليوم أحتاج سوبرمان،ليعيد اليّ شهيق من روحي الضائع ,ويعيد اليّ نور الأمل في الفسحة الغريبة ,فالأيام هنا لا تنقضي ولا تمر بسهولة .
أشعر كأن فيضاناً قد هاجّ على عمري ولم يبق منه سوى الصبر و السلوان ,أنتظر
من يسقي الورد أو يمزق صفحة ذكرياتي في هذه الآرجاء الغريبة حتى لا أتمنّ السفر مرّة أخرى ,فهنا دفنت نفسي و فتحت باب المقبرة لشبابي الضائع .
آه يا وطن ! ماذا سيحل بك عندما نشرع بركوب موجة الرحيل عنك ثم الحنين اليك تاركيين وراءنا أقدس الممتلكات في الوجود،سيصبح كواحة الأدغال تتغلغل الذئاب الجائعة في عمقها منتظرة الفرائس بشغف ،فلا خيّار للفريسة سو ى الهروب من أنياب الذئب أو الخضوع لبطش الجوع.
لقد هربت من ظروف المعيشة الرديئة باحثاً عن حياة رغيدة ،فكانت أيامي كالشجر اليابس وروحي كالعصفور مكسور الجناح غير قادر على التحليق رغم فسحة السماء
و سجين في زنزانة الغربة رغم القصور الفخمة .
بريفان ايبو / تيريج عفرين 8/1/2012