سـليـلُ الأبـاطـرةِ
أيُّهـا الـقلَمْ ..!
بَـلِّـلْ ريـشَتَـكَ بـرضـى الله ِ ؛
وتـسلَّـقْ جبْـهتِـي الـمُعفّرةِ بـترابِ الأرضِ ،
منْ أثـرِ الـسّـجُودِ لـمَلذّاتِ الـحيـاةِ ,
اقطَـعْ مشيـمَتـكَ مـن أوْتَـادِ الـكَتبَـةِ والـفرِّيـسيِّـن ..
واتـرُكْنـي حُـرّاً طـليقـاً ؛ أتمَـرَّدُ فـي هيكَـلي الـعظمِيّ .
أعْطنِـي قـليـلاً من أسْبـابِ الـحَيَـاةِ ..!
وأطـلِقنِـي فكْـرةً شـاردةً , أجُـوبُ أزقّـةَ كَيـاني .
" فـفي الـتّعَـبِ مهْمَـا يكُـنْ ربْـحٌ ..
وفـي ثـرثَـرةِ الـشّـفتيْـنِ خـسَـارَةٌ " .
ومـا بـيْنهمـا ؛
يَـتدحْـرجُ رأسـي إلى قـاعِ الـقطبِ الـمتجمِّدِ الـبشريّ .
*****
أيُّهـا الـقلَمْ ..!
علـى الـسُّطـورِ .. وحَسْمـاً لـلخـلافِ ؛
بـيْنَ مَـوْتـى الـقلوبِ ، وسُكّـانِ الـقبورِ !
دعْـني فـراشـةً مُـلوّنـةً بـالـحبْرِ الأسـوَدِ ؛
وعـتْمـةِ الـلّْيـلِ .. وظـلامِ الـعُصورِ .
أهِـيمُ فِـي ملكُـوتِ اللهِ ,
وأغَـادِرُ منتَجَـعَ الأحْـزانِ في مَعِـدةٍ مُـتعدِّدةِ الـرّؤوسِ ..!
أقلِّـبُ صَفحَـاتِ الـتّارِيـخ ؛
الـمُرصّـعِ بـالـبأسِ وأولـي الـقوّةِ .. والـجَماجـمِ الـكاريكـاتوريّـةِ .
وأصْطـافُ علـى قِـمَمِ الأهْـوالِ .
لعلنّـي أجمَـعُ بـاقـةً مـِن آلامِ الـمُسْـتضْعفيـنَ ,
أكـتبُهـَا بـمـَاءٍ من ذَهَـبٍ ..
وأعلِّـقُهـا علـى صَـدْري ؛ حَمْـداً وتـسْبيـحاً ..!
لـلأعْظـمِ الـمُقْبِـلِ في حقـائِـبِ الـعُصَـاةِ .
" فـلـلرَّبِّ وَحْـدَهُ قـبَّانُ العـدْلِ ومـوازينُـهُ ".
*****
أيُّهـا الـقلَمْ ..!
الـقلقُ علـى مصِيـرِ الـعالـمِ الـهُلامِـيِّ بـاتَ يُـؤْلـِمُني ؛
والكلمِـةُ الـطيِّبـةُ .. الـتي تقْطـرُ مِـن صيـوَانِ أذنِـكَ ؛
تهيـلُ الـتّرابَ علـى رأسِـي الـمُحنّطِ بصُـداعِ الـقرونِ ؛
و الـمكلَّـف بقيـادتِـي إلى الـدَّركِ الأسفَـلِ من الـعذابِ .
" فَـفَمُ الـعاهِـرةِ حُفْـرةٌ عميقـةٌ ، مَنْ أبْغضَـهُ الـرّبُّ سَقَـطَ فيهـا " .
بـيْنَ الـوجُـودِ والـلاوجُـودِ ؛
فُـزْتُ بـالـسِّـباقِ بـقبْلـةِ الـحَيـاةِ .
وبـيْنَ الـنِّهايـةِ والـلانِّهـايَـة ..!
مشيْـتُ على الـصِّرَاطِ إلى الـحـافِـرَة .
وعنـدمـا ضـاقَـتْ بـيَ جُـدرانُ الـقبْرِ ؛
سمعْـتُ أحَـدَ المـارَّةِ على كتِـفي الأيْـسَـرَ يـتْلو علـى شـاهِدتِـي :
" غضَـبُ الملِـكِ رسُـولُ المَـوْتِ " ؛
ورِضَـاهُ سَحَـابُ مَطـرٍ ربيـعِيٍّ يـسْقِـي تُـرْبَـةَ أجْـدادي .
*****
أيُّهـا الـقلَمْ ..!
" أبْعِـد قليـلاً ضَجَّـةَ أغـانيـك , ونغْمَـةَ ربـابَـتِك " .
لأنّـي .. أريـدُ أن أضْحَـكَ مَـع المَـوْتـى ؛
في الـهَزيـع ِ الأوّلِ من الـلّـيْلِ ,
وأبكِـيَ معَ الأحْيَـاءِ .. في الـثٌّلـثِ الأخيـرِ مِنْـهُ ,
وأستقْـبلَ مـلائكَـةَ الـعَذابِ في صَوْمَعَـتي .. مَع مطْـلَع ِ الـفجْـرِ .
" حتّـى يجْـريَ الحَـقُّ كالمِـياهِ .. والعَـدلُ كالنَّـهْرِ ",
وتـثورَ الـنفُوسُ الـخائَـرةُ كالـبَحرِ .
وأجِـدَ الـحقيقـةَ راقِـدةً في كَوْمَـةِ الـقَشِّ ؛
بـيْنَ الـرِّواقيْـنِ ..
" أدْرِي " .. و " لا أدْرِي ".
الـحَمْـدُ للهِ ؛
لـقدْ اسْـتلمْـتُ رسـالـةَ الـسّماءِ الـدّنيـا ،
في يَـوْمـيَ هـذا ..!
زاخـرةً .. فيهـا من كـلِّ أمْـرِ .
*****
أيُّهـا الـقلَمْ ..!
إلى مَتَـى أمتطِـي ظهْـرَكَ , وأقُـودكَ إلى جُـنونِ الـعَظمَـةِ ؟
" فـالـسّوْطُ لـلـفرَسِ .. والـلِّجَـامُ لـلحِمَـارِ "
أمَّـا العَصَـا ..
قـيلَ .. إنّـها لـلعبْـدِ الـمُستعـارِ ؛
في الـلّيـلِ .. و في وَضْـحِ الـنّهـارِ .
من عُصُـورِ الـفلسَفـةِ ؛
وأنـتَ تطَـاردُ الـجَزرَة َ.. معلّقـَةً في الهَـوَاءِ الطّـلْقِ ؛
الـمعتوهُ يـنامُ في الحَصـادِ ,
والـجبَـانُ يُجْهِـشُ بـالـبُكاءِ .. ويـقُول :
" في الـطّرِيـقِ .. والـشّـوَارع ِ أسَـدٌ ".
يـلْعَـنُ أقْـدامَـهُ الـخشبيّـةَ مَـرَّةً ..
ويَـغْمِـزُ بـعيْنِـهِ الـعَوْراءِ ألـفَ مَـرَّةٍ ؛
يُهيـجُ ثـيرَان ذاكِـرتـي .. فَـتنْطحُ خَيَـالـيَ الـجَامِـحَ ؛
ويجْتـرُّ حليـبَ بَـقرتِـي .. فـتتكسَـرُ أسنـانـيَ الـلّبنيّـة .
*****
أيُّهـا الـقلَمْ ..!
" كـلامُ الإنْـسَانِ مِيـاهٌ عَمِـيقةٌ " .
وأعْلـمُ مُنـذُ وُلِـدْتَ في الـكتـاتـيبِ ,
أنّ سِنـّكَ مكسُـورٌ , ورجْلـَكَ مقْطـوعَـة ٌ.
فـاحتمِـلْ توبِـيخِي أيُّهَـا المَيـِّتُ بـيْنَ أنـامِلـي ..!
حتَّـى أفِيـضَ عَليـكَ مِـن رُوحِـي ..
وأُطْـعِمَ الـشّجـاعَـةَ على حُبِّـها ؛
يَـتيـماً .. ومسْكِـينـاً .. وأسِيـراً .
" يـا يـوسـفُ .. أيّهـا الـصّديـقُ ؛
أفْـتِنـا في سَـبْعِ بَـقراتٍ سِمـانٍ يـأكلهُـنّ سَـبْعٌ عِجـافٌ "
لـعلّي أجْعَـلَ الـقَلمَ عَبقَـريّـاً .. تَـهُـزُّ لَـهُ الكلمَـةُ ذيْـلَهـا ,
وتحْنِـي لَـهُ ..ُ الـحِكْمَـةُ قبَّـعَتهـا .
مـعَ الأشْـرارِ ..!
أيّهـا الـمُكبّـلُ إلى عنـادي .. لا تـتداخـلْ ؛
لأنّـهمْ مِنْ كـأسِ الـظّلمِ يـشْربـون ،
ومِنْ هـذا الـحديـثِ .. يـضْحكونَ ولا يـبْكون .
*****
أيُّهـا الـقلَمْ .. سَليـلَ الأبَـاطِـرَةِ ..!
" حيْـثُ لا ثِـيرانَ .. فـالـمسْتودَعُ فَـارِغٌ ".
اِلْـقِ بـالـشِّبـاكِ على الـحَيْـدِ القَـاريِّ مِن طِيبـةِ قـلْبي ؛
" فـفي حقـولِ الـمُسْـتقيميـن طعـامٌ كثيـرٌ ..
لـكنْ هنـاكَ مَنْ يـأخُـذهُ بـغيْرِ حَـقٍّ " .
كغَـوّاصٍ مُحـتَرَفٍ ؛
اغطُـسْ .. مـا شِـئْتَ فـي مُستنْـقع ِ أفكـارِي ,
افْـتَحْ فُـؤادَ الـصّدَفـاتِ ..!
وخُـذْ قيـلُولـةً طويـلَةً علـى شُعَبـي المَرجَـانِيّـةِ .
أخـرِجِ الـكُنوزَ الـدّفينـةَ ..!
والـلآلِـئَ ، ومُسْـتحـاثَّـاتِ الاسْـتِسْـلامِ ؛
وغَنَـائِـمَ الـهَزيمَـةِ مِنْ وجْـهِ الـحقيقـةِ في أحْـشائِـي .
" إنَّـه ُ كِـتابٌ مَكْـنُونٌ .. لا يَـمَسُّـه ُ إلاّ الـمُطَـهَّرون ! ".
الـكلٌ يَـمْضي إلى غـايتـهِ واثِـقَ الـخُطوةِ ،
والـشّريـرُ إلى سُـوءِ الـمَصيرِ .. بـإذن اللهِ ؛
وقـدْ أخذَتْـهُ الـعزّة والـكبْريـاءُ والـغرورُ.
*****
المهندس محمود الخليل 13 / 12 / 2009