الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 2:14 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة الثانية عشرة - ماذا جنيت من الثقافة؟!

للثقافة في تكوين شخصيتي فضائل جمّة.

وأكتفي اليوم بالوقوف عند أمرين اثنين، هما:

·  الثقافة ووعي الذات.

·  الثقافة والإحساس بالزمن.

1 – فلتات .. ومراجعات.

علّمتني الثقافة ألا أدع (ذاتي) منفلتةً من عقالها، تخبط خبط عشواء.

وعلّمتني ألا أدعها تتصرّف على أساس أنه (لا حسيب.. ولا رقيب).

ولا أزعم أني قد بلغت الغاية مما أريد في هذا المجال.

فثمة بين الحين والحين (فلتات) و(سقطات) و(شطحات) و(تهويمات).

لكن ما يحملني على الاطمئنان في النهاية هو أن هذه (الخروقات) لا تمرّ دون مراجعة دقيقة، ولا تمضي دون محاسبة صارمة، ولو عشتم معي تفاصيل تلك المراجعة والمحاسبة لضحكتم طويلاً.

فكم من مرّة وجدتُني أسخر من نفسي قائلاً: 

" ويحك يا رجل! كم كنت أحمق حين قررت كذا وكذا!.. هل ثمة حصيف يتخذ قراراً كهذا؟! أين تجربتك وفطنتك؟! أين صبرك الجميل وصمتك الطويل؟! اسمع! تحدّثني نفسي أن أصفك ليس بالحماقة فقط، بل بالغباء أيضاً ".

وكم من مرة وجدتُني أحاكم نفسي وأغضب عليها قائلاً:

" ويلك يا رجل!.. أما كنت تملك ذرة عقل حين فعلت كذا وكذا؟! هل أصابك مسّ من الجنون؟! أين كان علمك وحِلمك؟! أين كان هدوءك ورزانتك؟! أين الِحكَم التي جمعتها من بطون كتب الأدب ودواوين الشعر؟! أين الأمثال التي كنت ترددها وتهيم بها حباً؟! أذهبتْ كلها أدراج الرياح "؟!

وكم من مرة وجدتُني أُقبل على نفسي مهنّئاً، وأنا أقول:

" أحسنت يا رجل! وحيّاك الله وبيّاك!.. لقد فعلتَ ما ينبغي فعله، وقلت ما ينبغي قوله..  حاول أن تكون هكذا على الدوام ".

وأصدقكم القول أن أعداد (ويحك!) و(ويلك!) كانت فيما مضى أكثر بكثير من أعداد (أحسنت!)، لكن النسب راحت تتقارب رويداً رويداً، وشرعت المسافة بين النقيضين تضيق أكثر فأكثر، وأعتقد أن (الثقافة) هي التي ساعدتني على الوصول إلى هذه الحالة الواعية والحازمة من (مراقبة الذات)، وأجدني في ذلك قريباً من مواقع أساتذتي وأصدقائي الصوفية الأوائل، أمثال إبراهيم أدهم، والفُضَيْل بن عِياض، وشقيق البَلْخي، والجُنَيْد.    

2 – تحوّلات لها معنى.

تساؤل لجوج يأخذ بخناقي كلما حدّثتني نفسي بالكتابة:

 " لماذا تكتب هذه الحلقات " ؟!

أقول بصدق: لا أريد لهذه الحلقات أن تكون هوساً بالذات.

والأسباب عديدة:

o  منها أن من جملة الصفات التي أستهجنها وأنفر منها هي (النرجسية)، والانكباب على (الأنا) انكباباً فيه ما يشبه تقديس الذات وعبادتها.

o  ومنها أني لست ذلك الرجل الذي يمتلك حياة تزدان بالأحداث المثيرة، مثلما هي حياة مشاهير الساسة والقادة والعظماء، أضف إلى هذا أن رحلتي في الحياة متواضعة وبعيدة عن أن تقارب، من حيث الجاذبية، ما في حياة المغامرين من إثارة.

o  ومنها أيضاً أنه حتى لو كان المرء يحظى بحياة مثيرة فمن العيب أن ينادي على نفسه، ويستعرض منجزاته مفتخراً مستكبراً، إذ في قرارة كل فخر بالذات انتقاص من (الآخر)، وفي ثنايا كل استكبار شكل من أشكال النظر إلى الآخرين بعين الاستصغار والاحتقار.

إن حياتنا- نحن جيل مثقّفي الخمسينيات والأربعينيات وما قبلها-  لا تختلف عن حياة غيرنا في كثير من الأوجه، لكن لها قيمة واحدة، تتمثّل في أننا الجيل الذي عاش (التحوّلات الحضارية الكبرى) في الشرق، ومارس بالضرورة، وبفضل الثقافة، فن (الاكتشاف)؛ اكتشاف الذات واكتشاف العالم.

ودعوني أقل بعبارة موجزة: نحن جيل (البرزخ) التاريخي الفاصل بين العصور القديمة والعصور الحديثة، كان برزخاً هائلاً، وكان علينا أن نجتازه شئنا ذلك أم لم نشأ، وإلا فإنا كنا سننقرض كما انقرضت الديناصورات التي كانت سيّدة العالم في الأزمنة القديمة.

وكانت قيمة الزمن من أهم ما اكتشفته عبر حياتي البرزخية، وكان ذلك الاكتشاف مدخلاً إلى التحوّلات الكبرى في حياتي، وكان للثقافة الفضل الأكبر في هذا وذاك.

3 – الشرق.. والزمن الضائع.

والحق أن قصتنا في هذا الشرق مع (الزمن) قصة عجيبة.

كان بعض أجدادنا القدماء جداً يؤلّهونه، وكانوا يسمّونه (الدهر).

وكانوا يتعاملون معه بطريقة ميتافيزيقية (صوفية)، تستدعي ألف وقفة ووقفة، وتثير ألف تساؤل وتساؤل. هذا إذا أحسنت الظن، والتزمت اللباقة في الحديث، وإلا فإنهم كانوا يتعاملون مع الزمن بطريقة هلامية سائبة، وبكيفيات غير مسؤولة، وبكثير من الإسراف والتبذير، وكانوا يتصرّفون من منطلق أن أرخص ما في هذا الوجود هو (الزمن).

ومن جملة ما شهدته في هذا المجال أن الأعراس كانت تقام في قرانا على مدى سبعة أيام ليلاً ونهاراً، وطوال هذه الأيام كانت الألحان والرقصات نفسها تُكرَّر، وكانت الأطعمة نفسها تُقدَّم. وإلى عهد قريب كنت أجد أناساً يُمضون ساعات طويلة وهم يلعبون النِّرْد (طاولة الزهر)، ويظلون يركضون وراء (شيش، بيش)، وكنت من هذا الفريق لمدة ثلاث سنوات فقط في عهد الشباب، وكان آخرون يسمرون ليالي الشتاء الطويلة وهم يلهون بلعبة (الورق) التي لانهاية لها.

وما عاتبت قطّ الأميين المنصرفين إلى قتل الوقت بهذه الوسائل العابثة، وإنما كان عتبي- وما زال وسيظل- منصبّاً على من يستطيع القراءة والمطالعة، ثم يرضى بهذه المبذّرات وأشباهها بديلاً.

وقد تبيّن لي أن أغلى ما نمتلكه – نحن البشر - في الوجود هو (الزمن). وحسبنا دليلاً من المنظور الديني أن الرسول محمداً عليه السلام ذكر أن المرء مسؤول " عن عمره فيمَ أفناه "؟! وحسبنا دليلاً من المنظور العلمي أن سرعة الضوء في الثانية الواحدة تساوي قرابة ثلاثمئة ألف كيلو متر! أرأينا كم هي (الثانية) مهمة؟! فما بالنا بالدقيقة فالساعة فاليوم فالشهر فالفصل فالسنة فالعقد فالقرن؟!

وحين اطّلعت على سير الأنبياء ومشاهير الفلاسفة والقادة والساسة والعلماء والمخترعين أدركت أنهم أنجزوا للبشرية ما أنجزوا بفضل إدراكهم العميق لقيمة الزمن، ولأنهم أحسنوا التصرّف فيه، وحاولوا أن يستثمروه على النحو الأفضل بكل ما هو مفيد وثمين.

4 – مأساة الحلاّج!

ومنذ أن أدركت ذلك أصبحت أحرص على الوقت أشد الحرص، فأحاول جهدي أن ألتقي بالأقارب والأصدقاء في المواعيد التي أضربها لهم، وكم أؤنّب نفسي إذا تأخرت عن الموعد المضروب لأمر طرأ، أو لمفاجأة لم تكن في الحسبان! وكم أنزعج بيني وبين نفسي حين يضرب لي أحدهم موعداً ثم يقدّمه أو يؤخّره! وكم أتميّز غيظاً – على نحو خفي- حين أُبتلى بزائر على غير موعد، فأضطر إلى إنفاق ساعة أو أكثر في الاستماع إليه، أو البحث عن موضوعات للحديث أملأ بها الفراغ معه!

ولا أخفي أننا- معشر المثقفين في الريف- كثيراً ما كنا معرّضين لمثل هؤلاء الزوّار، وهم كانوا معذورين فيما يبدّدونه من أوقاتنا من حيث لا يشعرون، ونحن كنا معذورين في مجاراتهم رغم غيظنا المكبوت، وكانت حالنا في ذلك حال الصوفي الشهير أبي منصور الحلاّج، حين حكم عليه فقهاء بغداد بالموت صلباً، فكان يقول للمكلّفين بتعذيبه وصلبه: أنتم معذورون فيما تفعلون، وأنا مأجور على ما أعاني.

5 – همسة على الهامش!

وقد تعلّمت من رحلتي مع الثقافة من ناحية، ومع الحياة من ناحية أخرى، أن للنجاح في أيّ مجال كان شروطاً ثلاثة:

  • تحديد الهدف.
  • التخطيط الدقيق.
  • التنفيذ الجادّ.

ولا يمكن لهذه الشروط أن تؤتي ثمارها في غياب إدراك القيمة الوجودية والعملية للزمن، وفي غياب الإحساس بأهمية الثانية والدقيقة والساعة، وكم يعجبني في هذا المجال رأي لمفكّر أوربي لا يحضرني اسمه! لقد قال ذات مرة لأصدقائه:

-  "أحسنوا التصرّف فيما تبقّى لكم من زمن "!

وأقول لكم القول نفسه.

(وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة عشرة).

15-10-2004   الدكتور أحمد الخليل


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar