الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 4:27 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة الثالثة عشرة - أمّة لا تقرأ.. أمّة بلا ملامح!

1- تراث من الفرمانات!

قد تستغربون هذا العنوان.

وكيف لا؟!..

إنه حكمٌ مطلق قبل أن يكون عنواناً بريئاً.

وليس هذا فحسب، بل يبدو شبيهاً بالفرمانات السلطانية.

وتعلمون كم نحن الشرقيين مشغوفون بإصدار الفرمانات!

وكم نحن مهووسون بالأحكام المطلقة والتعميمات الفضفاضة!

حسناً.. ولِمَ لا نكون مشغوفين ومهووسين بذلك؟!

     فنحن الشرقيين بحمد الله مخلصون لتراثنا.. وإصدار الفرمانات تراث عريق في ثقافتنا، ورثناه من عهود قديمة جداً.. ورثناه من لوغال السومري، ونارام سين الأكّادي، وحمورابي البابلي، وتيغلات بلاسير الآشوري، وقُورش الأخميني، وأمنحوتب الفرعوني، وكِسرى الساساني، والحجّاج الثقفي، وجنكيز خان المغولي، والبادشاه العثماني.. فكيف يمكنني أن أتخلّص منه دفعة واحدة وأدير له ظهري؟!

بلى خطرت لي كل هذه الخواطر وأنا أكتب هذا العنوان، وكدت أشطبه لأريح وأستريح، لكني تراجعت، وأبقيت عليه، اعتقاداً مني بأنه صحيح قلباً وقالباً، وأنه صائب ظاهراً وباطناً؛ على أنني أريد بعبارة ( أمة بلا ملامح)  أمة أضاعت هويّتها.. أمة بلا مواقف مجيدة في التاريخ البشري.. أمة بلا مواقع مرموقة في سلم الحضارة الإنسانية.

2- من الإنجيل .. إلى القرآن.

ولعلكم- معشر القرّاء- تعلمون أن الآية الأولى في كتاب الإنجيل هي " في البدء كان الكلمة ". وتعلمون جيداً أن أوّل كلمة أُنزلت على النبي محمد عليه السلام في غار حِراء هي " اقرأ ". ولا تخفى عليكم العلاقة الوثيقة بين كل من (الكلمة) و(القراءة). ومن جملة ما اكتسبته من رحلتي الثقافية ألا أمرّ بما أقرأه وأراه وأسمعه مرور المستعجل. وإنما لا بد من التأنّي والتدقيق والتفحّص والتأمل.

ومن خلال اطلاعي على حركة الحضارة البشرية منذ العهد النيوليثي (بدء اختراع الزراعة وتدجين الحيوانات)، ومروراً بعهود بناء المدن وتكوين الممالك في أحواض الأنهار الكبرى (النهر الأصفر في الصين، والغانج في الهند، ودجلة والفرات في ميزوبوتاميا، والنيل في مصر، والمسيسبي في أمريكا) حوالي (3000) عام قبل الميلاد، وانتهاء بالانتشار المعرفي الهائل في العصر الحديث، تأكد لي أن (الوعي) كان هو السبيل، وأن الوعي المتقدّم بحاجة ماسة إلى (المعرفة/ العلم)، فالمعرفة سلسلة من الخبرات المتكاملة، والعلم أطر ذهنية تنتقل عبرها تجارب الأجداد إلى الآباء والحفدة، و(القراءة/ الكتابة) هي السبيل الأمثل لتحقيق ذلك الانتقال.

وإلا فإن على كل جيل أن يبدأ تجربته الوجودية والتاريخية من نقطة الصفر؛ أي عليه أن يبدأ من مقدّرات وإمكانيات العهد النيوليثي، فيكرر الوقوع في الأخطاء التي وقع فيها الأجداد والآباء، وينتهي إلى النتائج نفسها التي انتهوا إليها، وهي بالتأكيد نتائج متواضعة وهزيلة، تناسب الشروط التاريخية التي نشأت في إطارها، وهكذا تحدث القطيعة بين الأجداد والحفدة، وتنشأ بين الفريقين هوّة معرفية وحضارية مريعة، تضع العصي في عجلات تقدم الأمة، وتجعلها في النهاية أمة متكلّسة شبه محنّطة، أمة ضائعة في دروب هذا الوجود، أمة عاجزة عن تحديد موقع لها في تاريخ البشرية، أمة متخلّفة عن ركب التقدم، أمة بلا هوية وبلا ملامح حضارية.

3- ما العمــل إذاً؟!

بلى.. ما العمل والحال هذه؟!

ها نحن نعود مرّة أخرى إلى مربط الفرس كما يقال؛ إلى (الثقافة).

ولا أشك مطلقاً أن (القراءة) هي الطريق الأقصر والأكثر جدوى.

أن تقرأ يعني أن تضم عقول الآخرين إلى عقلك.. أن تمتلك (العقل الكلي)، فبدلاً من أن تكون صاحب عقل واحد، تصبح مجهّزاً بملايين من العقول الجادة المبتكرة، بدءاً من العقول التي ابتكرت اللباس واستأنست النار والحصان، ومروراً بالعقول التي اخترعت العجلة والرافعة والنار الإغريقية، وانتهاء إلى العقول التي اخترعت المحرك البخاري والإسبرين والهاتف والسفينة الفضائية.

وأن تقرأ يعني أن تعرف تجارب الآخرين في مجالات الحياة عبر تاريخ البشرية كلها، فتعرف أين أصابوا وأين أخطأوا، وكيف نجحوا ولماذا أخفقوا، ومتى كانوا ضعفاء وكيف أصبحوا أقوياء، وما الذي جعلهم سادة أنفسهم، وما الذي جعلهم عبيداً لغيرهم، وعندئذ يمكنك أن توفّر الجهد والوقت، وتتجنّب مزالق الخطر، وتهتدي إلى سبل التقدم.

وهذا في اعتقادي هو السر في أن الباحثين المحققين جعلوا اختراع (الكتابة) نقطة فاصلة بين عهود ما قبل التاريخ والعهود التاريخية، فأن (تكتب) يعني أن تجعل الآخر (يقرأ)، أي أنك بالقراءة والكتابة تعقد جسراً متيناً بينك وبين من هو بعدك، بينك وبين ولدك، بينك وبين حفيدك، بينك وبين صديقك، بينك وبين عدوك، بينك وبين الناس في أقاصي هذا العالم وأدانيه؛ أي أنك بالقراءة تفسح المجال للآخرين كي يعرفوك، فلا يكونون جاهلين بك غرباء عنك، وتمنح نفسك إمكانية معرفتهم، فلا تكون جاهلاً بهم غريباً عنهم.

4-  حياة نيوليثية!

ودعوني أقل بصراحة: كانت ثمة هوّة معرفية عميقة بيننا- نحن جيل الخمسينيات- وبين آبائنا وجدودنا الأقربين، بيننا نحن الذين أتاحت لنا ظروفنا التاريخية أن (نقرأ) وننطلق من دائرة (القراءة) إلى دائرة (الثقافة) وبين جذورنا الذين لم تتح لهم ظروفهم التاريخية أن يمارسوا فعل (القراءة)، وأن يبقوا من ثمّ خارج حدود الثقافة والمعرفة. ونتيجة لذلك كان صراع صامت يدور بين الطرفين، وكان الطرفان مجبَرين على خوض ذلك الصراع.

أما الجيل السابق (القديم) فبحكم انتمائه العتيد إلى منظومة ثقافية شبه بدائية، منظومة ثقافية لم تكن، من حيث رؤيتها الوجودية ومستويات الوعي وآليات التفكير، بعيدة عن رؤية ومستويات وآليات العصر النيوليثي.

وأما الجيل اللاحق (الجديد) فبحكم انتمائه إلى عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية، عصر اكتشاف أشعة الليزر، واختراع القنبلة الذرية والهيدروجينية، عصر الفلسفات الوجودية القادمة من أوربا الغربية، وعصر الفلسفات الاشتراكية القادمة من أوربا الشرقية، وعصر الفلسفة البراغماتية القادمة من أمريكا.

أجل، يذكر علماء الأركيولوجيا أن العصر النيوليثي بدأ في تاريخ البشرية مع اختراع السكة (المحراث)، واستئناس الحيوان ليجر المحراث، واختراع المنجل ليحصد به الزارع ما زرع. وكان ذلك انتصاراً كبيراً على تقنيات العصور الحجرية، فقد تخلّص إنسان العصر النيوليثي بذلك الابتكار من المجاعة، وتحرر من تبعات عصر القنص والبحث عن الجذور، فاستقر وبنى الأكواخ، وصنع الأدوات الفخارية.

وكذلك كانت الحال في أريافنا حينما فتحنا أعيننا على الحياة، وحينما كنا صبية، ثم حينما شببنا عن الطوق. كان آباؤنا يقضون الخريف بطوله وهم يمشون وراء المحراث جيئة وذهاباً من الصباح الباكر إلى غروب الشمس، ليزرعوا ما نحن بحاجة إلى أن نأكله، وليبيعوا الفائض منه ويبتاعوا الملبس وحاجات العيش الأخرى.

وكانوا يقضون الشهر الأخير من الربيع وأشهر الصيف بطوله وهم يحملون المناجل، وينازلون حقول القمح والشعير من الفجر إلى غروب الشمس، ظهورهم منحنية، قاماتهم متضائلة، وجوههم متجعّدة، نظراتهم غائرة، يتوحد الغبار النافر من صولات المناجل مع العرق السائل على جباههم والمتفجّر من كل خلايا أجسادهم المنهكة، فكان كل واحد منهم لوحة نيوليثية حقيقية.

5- يقينيات!

بل دعوني أكن أكثر صراحة.

وأستميح جدودنا وآباءنا العذر في ذلك.

فما أرويه ليس الغرض منه هو الاستخفاف، ولا الاحتجاج. وهل يبلغ بي العقوق درجة أستخف معها بمن شقوا لنسعد، وبمن جاء لحم أكتافنا من عرق جبينهم؟! أو هل تبلغ بي الحماقة درجة تجعلني أحتج على من كانوا مسيَّرين في بؤسهم وما كانوا مخيَّرين قط؟!

إنني أروي ما أرويه للتاريخ.. وكي يعلم أبناؤنا وحفدتنا الذي يجلسون الآن إلى شبكة الإنترنت، ويلفّون العالم من أقصاه إلى أدناه في سويعات، أنه ما كان يفصلهم عن منظومة العصر النيوليثي، منظومة السكة والمنجل وصناعة الفخاريات، منظومة غياب (القراءة/ الثقافة)، سوى خمسين عاماً.

وإليكم لوحات عشوائية من تلك المنظومة الثقافية:

  • كان أبناء تلك المنظومة الثقافية يعتقدون اعتقاداً مطلقاً أن الأرض غير كروية، وأنها تقف على قرني ثور، وأن الثور يقف على صخرة، والصخرة تقف على بحر، والبحر يقف على الريح، وحينما يهز الثور رأسه تحدث الزلازل.
  • وكانوا يؤمنون أن (الإمام علي) يسوق الغيوم، ويضربها بسيفه المشهور (ذو الفَقار)، فتزمجر الغيوم وترعد، وتبكي مطراً!
  • وسمعت الكهول والشيوخ من تلامذة تلك المنظومة الثقافية يقولون بيقينية مطلقة: كان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني من أولياء الله، إنه كان يبسط سجادته على ماء البحر ويصلي!
  • وكانوا يرون أن (القراءة) طقس مخيف، فذات مرة في السبعينيات من القرن الماضي قال لي أحد كهول قريتي (وكان من المتنوّرين بالقياس إلى جيله): يا ابن أختي! سمعت أنك تواصل القراءة.. أنصحك أن تقلّل من ذلك.. فمن يكثر من القراءة يُخاف عليه من الجنون!
  • وكانوا غير قادرين على استيعاب أن الشمس نجم وأن القمر كوكب، كانوا يرون أن الشمس والقمر كانتا أختين في قديم الزمان، وكانت (القمر) جميلة جداً، فغارت (الشمس)، فلطخت كفها بهباب ساج التخبيز، ومسحت بها خد (القمر) لتشوّه جمالها؛ وذلك هو سبب اللطخة السوداء في وجه القمر.

6 -  الزلزال!

إن جدودنا وآباءنا النيوليثيين – وأقولها باحترام- كانوا عاجزين عن فهم أن الأرض كروية، وأنها تدور حول الشمس، وأن القمر كوكب أصغر منها يدور حولها، ذات مرة في سنة (1964م) تقريباً قال لي والدي- رحمه الله- بهدوء، وكان يطالع أحياناً في كتبي المدرسية، وكان آرمسترونغ الأمريكي قد دار حينذاك حول الأرض فيما أعتقد:

-  يا بني! أصحيح أن الأرض تدور؟!

-  نعم يا والدي، إنها تدور.. العلم هكذا يقول.

-  لكن لماذا يبقى جبل (ملا موسى) في الاتجاه الغربي نفسه الذي يتجه إليه باب بيتنا؟! أليس من المفروض أن يصبح في جهة أخرى؟!

-  والدي، عندما تركب السيارة وتتجه إلى حلب، وتجلس في الكرسي الواقع خلف السائق يكون السائق أمامك على الدوام، أليس كذلك؟!

-       بلى.

-  وعندما تغيّر السيارة اتجاهها هل يتغيّر موقع السائق بالنسبة إليك؟!

-       لا.

-  حسناً.. كذلك نحن ودارنا والجبل والأرض.. الأرض هي السيارة.. نحن والدار و(جبل ملا موسى) وجبال أمانوس الشامخة البعيدة المكللة بالثلوج (چياي گَوْر) والغيوم كلنا داخل تلك السيارة الهائلة (الأرض).

صمت والدي على نحو تأملي تصوّفي، ولا أدري مدى اقتناعه حينذاك بما قلته. لكنه ما كان يعارضني حينما كنت أحاول إقناع زوّاره من الكهول والشيوخ بكروية الأرض ودورانها، بل كان – رحمه الله- يستمع باهتمام واضح.

--  --  --

التساؤلات العفوية إشارات تلمع كالبروق.

هاهي ذي المنظومة الثقافية النيوليثية تتزلزل.

القراءة (الثقافة) تفعل فعلها بشجاعة.

العصر النيوليثي طال أكثر مما ينبغي.

أيها المبجّل! قمت بما ينبغي أن تقوم به.

تجاوزت ذاتك.. وآن لك أن ترحل بصمت.

لقد حان زمن الخروج إلى العصور الحديثة.

(وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة عشرة).

في 6-11-2004م    الدكتور أحمد الخليل


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar