الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 5:11 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة السادسة عشرة - سياحات في الزمن الكوني

1 – بعيداً عن الحَذْلَقة.

لا أملك مشروعاً لكتابة مذكّرات.

المذكّرات توقفنا عند الساعة واليوم والشهر والسنة.

المذكّرات تؤطّرنا.. المذكّرات تعتقلنا..

إنها تجعلنا نتشرّد داخل الزمن المُؤَرْخَن.

الزمن المُؤَرْخَن أشلاء بائسة..

إنه ركام هائل من التفاصيل المملّة..

كثير من تلك التفاصيل ذات نوايا ماكرة..

وكثير منها غوايات تسلبنا القدرة على التركيز..

إنها باسم أنفسنا تقودنا بعنف خارج أنفسنا..

الإبحار عبر الزمن الكوني هو ما أنجذب إليه..

الزمن الكوني هو وحده الذي يمنحني متعة الانطلاق..

الحقائق هناك أكثر وضوحاً.. واللوحات أكثر صدقاً.

ويبدو أن السياحات الحرة هي مشروعي المفضّل..

إنها سياحات في كوننا التراجيدي.. أنا وأبناء جيلي.

وهي لوحات قد لا تكون برّاقة .. ولا ذات أهمية.

بل قد تبدو ساذجة.. وأحياناً ساذجة جداً..

لكنها مع ذلك عزيزة علينا.. وعزيزة جداً.

إنّني لا أملّ من تأمّلها.. ولا عجب!.. إنها ضحكاتنا ودموعنا.. سعادتنا وشقاؤنا.. نشوتنا وانكسارنا.. حكمتنا وأخطاؤنا.. معرفتنا وجهلنا.. وعينا وذهولنا.. وأحسب أني سأكفّ عن الكتابة إذا خرجت من عالم (السياحات) ودخلت عالم (المذكّرات).. أشعر أنني أكون عندئذ قد انتقلت من دائرة (العفوية) إلى دائرة (الحذلقة والتنميط).

أعرف عن نفسي أني لا أرتاح إلى التنميط.. وحينما أضطر إلى التفكير أو التعبير أو التصرف على نحو نمطي أشعر بالضيق، وأجدني أُدخل بعفوية شيئاً من التجديد – وليس الفوضى- على الحالة النمطية، ولا أزعم أني أُوفَّق في ذلك دائماً، ولكني أشعر مع ذلك أن المحاولة ضرورية، وإلا فإن الرضا بالنمطية عن طيب خاطر كارثة لا أستطيع القبول بها.

وأذكر أني منذ أن كنت في المرحلة الثانوية اقتنيت دفتراً، وكتبت على الصفحة الأولى بخط كبير: (مذكّراتي)، ثم شرعت في نهاية كل يوم أدوّن فيه أهمّ الأحداث، سواء أكانت على الصعيد الدراسي، أم على الصعيد الاجتماعي، أم على الصعيد الذاتي.. كان التدوين على شكل إضاءات سريعة.. ومع ذلك وجدتني بعد أسابيع أهمل تلك (اليوميات).. ولو استمررت لكانت عندي الآن مجلدات من المذكرات.. لكني لم أستمر.. ولست بنادم.

2 – الآلام الكبرى.

ولعل من عوامل طيّ ذلك المشروع أني لم أستطع الصبر على توصيف الأمور من الخارج.. شعرت أني أرسم هياكل بلا حياة.. وقد كنت- وما زلت- أنجذب إلى جوهر الحياة.. ويعجبني التحليق في الأعالي بقدر ما يستهويني الغوص في الأعماق.

للحقيقة قطبان: الأعالي.. والأعماق.

والمحزن أننا غالباً ما نعجز عن التحليق والغوص. 

ولعل من تلك العوامل أيضاً ما يتعلّق بهجمة العصر الحديث علينا دُفعة واحدة.. نحن- جيل الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين- عشنا كل إرهاصات وطموحات وخيبات ومشكلات وكوابيس التحوّل من ثقافة العصر النيوليثي إلى ثقافة عصر اكتشاف الذرّة وغزو الفضاء.. وها أنا ذا أُكثر من الإشارة إلى عصرنا (النيوليثي).. ولكن تلك هي الحقيقة.. ولا أرى مبرّراً لتجميلها.

مؤلم هو الخروج من ثقافة (الكهوف).

صعب هو التحليق في آفاق الثقافة الكونية..

لقد عشنا الآلام الكبرى..

وها نحن نفخر بذلك!..

فالآلام الكبرى هي إنجازات عظمى.

لقد دفعنا ثمناً كبيراً من نقائنا ومن براءتنا ومن بساطتنا.. كنا كمن يتلقّى وردة من جانب ولكمة من جانب آخر.. وكنا كمن يحلّق في الآفاق الرحيبة تارة، ويسقط في المنحدرات ويضيع في المنعرجات والمتاهات تارات أخرى.. ولا أظن أننا قد أصبحنا بمنجاة من ذيول تلك التحوّلات الهائلة.

أقول لكم هامساً:

أشعر أننا ما انتهينا بعدُ من اجتياز البرازخ..

إننا ما زلنا نعيش تلك الآلام الكبرى.

3 – اعرف نفسك.

ويبدو أنه بقدر ما تتّسع مساحة وعينا تكبر آلامنا.

وتلك هي المفارقة الرهيبة!.. الوعي يعني الألم!!..

لقد دفع والدنا (آدم) الثمن منذ أزمان سحيقة..

كان الخروج من الجنة هو ثمن عشق (المعرفة).

ونحن سلالته.. ولن نستطيع إلا أن نفعل مثله.

ومنذ أن تعرّفت (سقراط)، ذلك الفيلسوف اليوناني الكبير بحق، تعلّمت أن الطريق إلى (الوعي) النقي هو العمل بحكمة (اعرف نفسك)، وتعلّمت منه أيضاً أنه بقدر ما نجهل أنفسنا نجهل (الآخر)؛ مع الأخذ بالحسبان أني أفهم من (اعرف نفسك) البحث عن الذات واكتشافها، وأقصد بـ (الآخر) مجمل العالم من حولنا (البشر وسائر الكائنات).

كانت صلتي بأفكار (سقراط) مبكّرة إلى حدّ ما، أحسب أنها بدأت في أوائل العشرينيات من عمري، ولا أذكر الآن كيف بدأت تحديداً.. وقد عرفت هذا الفيلسوف من خلال كتبنا الدراسية، ولا ريب أن ثمة شيئاً ما جعلني أتوجّه إليه.. ولعل نهايته البطولية كانت ذلك الشيء.. فالشباب أكثر تعلّقاً بالشخصيات البطولية.

وتوطّدت صلتي بسقراط وبعض الفلاسفة التأمليين الآخرين أكثر يوماً بعد يوم.. كنت وما زلت أعدّ هؤلاء رسل (المعرفة)، فاسترسلت في مطالعة أقوالهم وآرائهم، ولا أزعم أني كنت أفهم حينذاك كل أفكارهم فهماً دقيقاً، لكني كنت أشعر أني أهتدي عبر كلماتهم إلى الرؤى التي ينطلقون منها والآفاق التي يحلّقون فيها، وأشعر أني أقف على تخوم عوالمهم الجليلة والغريبة، فكنت أعيش حالات من الدهشة، مشوبة بنشوة مقاربة تلك العوالم، والقدرة على ملامستها.

4 – جلسات.. وومضات.

ومنذ ذلك الحين نمت عندي هواية الانفراد بالنفس في أحضان الطبيعة الهادئة، والاسترسال في صمت تأملي أشعر معه وكأني ألامس السحب حيناً، وأخترق الأعماق حيناً آخر.. وما زالت تلك الهواية تلازمني، وكم أنا سعيد بما فيها من ومضات!.. وكانت تلك الهواية تغدو رائعة في الربيع والصيف وأوائل الخريف، وكان لها في كل فصل مذاقها الروحي الخاص، وموضوعها التأملي المتميّز.

كنت أمارس هوايتي تلك تارة بالجلوس وقت الأصيل على صخرة في كرمنا الجبلي الواقع غربي القرية.

وأخرى بالجلوس على حافة جرف صخري، يطلّ على (وادي ليلون) الهادئ المهيب، الواقع جنوب شرقي القرية.

وثالثة بالاتجاه أصيلاً نحو قرية (عين دارا) القريبة، لأطلّ منها على البحيرة الفضية، ومن ورائها على السهل المتوشّح بالاخضرار.

ورابعة بالجلوس بُعيد الغروب على صخرة ملساء في جبل (ملا موسى)، متأملاً القرية التي كانت تغيب رويداً رويدأ في ظلمة الغسق.

وخامسة بالتمدد على سطح المنزل في الليالي المقمرة.

5 – الرومانسي والجمالي.

وخلال تلك الجلسات – وأفضل أن أسميها: سياحات- كنت أشعر كأني أجالس العالم أجمع والكون كله.. حالة غريبة حقاً!.. وما لا شك فيه هو أني أجهل إلى الآن كثيراً مما يتعلّق بنفسي، لكن ثمة أمور أخرى أشعر، خلال هذه السياحات، أني أعيها بوضوح كاف، ومنها على سبيل المثال ميولي التي هي مزيج من الرومانسية والتأملية.

والشائع أن الرومانسية من خصائص فترة الشباب، لكني أجد الرومانسية عندي تتوحّد بالتأملية إلى هذا اليوم، وأجدها تغالبني في بعض المواقف فأنساق معها، وأجدني من ثَمّ أقول عبارات، أو أتخذ مواقف، قد تبدو غير مفهومة، بل قد تبدو غريبة حيناً.

ومن حسن الحظ أن أفراد عائلتي هم أكثر من يشهد تلك العبارات والمواقف.. وصحيح أنهم كانوا يُفاجَؤون بها في البداية.. لكنهم راحوا يتفهّمونها.. بل أشعر أنهم بدأوا يشاطرونني بعضها.. فلا يستغربون إذا كنا في نزهة خارج المدينة أن أوقفهم بين الحين والحين، لأقول:

"تأمّلوا ألوان هاتيك الغيمة في الأفق الغربي!.. تأمّلوا جمال الشمس وهي تغرب!..  انظروا إلى تلك الأعشاب الزاهية اللون!.. ما أجمل عناق هذه النخلة مع شجرة السدر!.. لاحظوا هاتيك اللوحات الرائعة على الكثبان!.".

وأجدني أقول لهم ونحن في زيارة لحديقة الحيوان:

" يا لِجمال عيني هذا القُريد!.. لماذا تبدو نظرات هذه الأفعى باردة بهذا الشكل!.. كم تبدو رشاقة ذلك الظبي متوهّجة! يا لمهابة ذلك الأسد الرابض!.. لاحظوا الروعة في انسيابية هذا الدلفين!.. تأملوا السكينة الصوفية في ملامح هذا الفيل!.. يا لغرابة رأس فرس الماء ذاك؟!".

يبدو لي أن ما هو رومانسي هو الجمالي.

وأقول بيقين تام: الجمالي والتأملي لا يفترقان.

6 -  الشاب الكهل!

وكنت أظن أنه لا أحد يعلم ميولي التأملية، لكن يبدو أنها كانت تظهر عليّ منذ عهد الشباب بشكل هدوء مجلّل بالوقار.. كان طلبتي يشيرون إلى ذلك عَرَضاً.. لكن صديقي الأستاذ الشيخ إبراهيم خليل عيسى- وهو عالم شريعة مثقّف في منطقة (عفرين)- لفت انتباهي إلى ذلك بوضوح، حين قال لي ذات مرة: مرحباً بالشاب الكهل!

حينذاك كنت دون الأربعين.. وكان ذلك القول تنبيهاً لي إلى أن ميولي التأملية تلقي بظلالها على هيئتي وملامحي، فتجعلني أبدو- بالرغم مني- رزيناً وقوراً كما هم الكهول والشيوخ.

وأحسب أن ميولي التأملية ترجع إلى مراحل متقدمة من عمري.. ولعلها هي التي جعلتني، وأنا دون العشرين، أصبح صديق حميماً لبعض الكهول والشيوخ في قريتي، بخلاف ما درجت عليه العادات والتقاليد في قرانا حينذاك.

(وإلى اللقاء في الحلقة السابعة عشرة).

23- 12- 2004     الدكتور أحمد الخليل dralkhalil@hotmail.com


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar