الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 13:33 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة التاسعة عشرة - بالمعرفة وحدها يحيا الإنسان!

1 – مقولة عريقة.

" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان".

مقولة عمرها قُرابة ألفي عام.

ولعل النبي عيسى أول من أعلنها.

وهي مقولة مفتوحة النهايات.

ولكلٍّ منا أن يكملها على طريقته.

يمكن لأحدنا أن يقول مثلاً:

 " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بالحرية أيضاً".

ولثانٍ أن يقول: " بل بالإنسانية أيضاً".

ولثالث أن يقول: " بل بالأخلاق أيضاً".

ولرابع أن يقول: " بل بالسيادة أيضاً".

ولخامس أن يقول: " بل بالقوة أيضاً".

ولسادس أن يقول: " بل بالسعادة أيضاً".

ولسابع أن يقول: " بل بالجمال أيضاً".

ولثامن أن يقول: " بل بالمال أيضاً".

وهكذا دواليك..

وأما بالنسبة لي فأقول: " بل بالمعرفة أيضاً".

2 – المعرفة طاقة.

وقد تأكّد لي بالأدلّة التاريخية والواقعية القاطعة أن (المعرفة) هي وحدها الطريق إلى تمثّل قيمة الحرية والدفاع عنها، وبالمعرفة نمارس إنسانيتنا على النحو الأكمل، كما أننا بالمعرفة نهذّب أخلاقنا ونرتقي بسلوكياتنا نحو الأنبل، وبالمعرفة نحوز السيادة والقوة، وبالمعرفة ترقّ أحاسيسنا الجمالية، وبالمعرفة نبدع الطرائق والوسائل التي تحقّق لنا اقتصاد الوفرة والرخاء. 

وكتبت ذات مرة في عنوان إحدى هذه الحلقات: " أمة لا تقرأ.. أمة بلا ملامح ". بلى.. إن أمة لا تقرأ هي أمة تتقاعس عن امتلاك المعرفة، وهي أمة تفتقر من ثَمّ إلى إرادة (وعي الذات)، وتخطئ الطريق إلى (وعي الحياة)، وتحكم على نفسها بالتخلّف فالاضمحلال فالانمحاق، وإذا قُدّر لها أن تستمر في الوجود فلا تكون إلا من سَقَط المتاع.

المعرفة قوة سحرية مدهشة.. المعرفة طاقة هائلة لا حدود لها.. طاقة تصنع المعجزات.. وتعلمون بلا ريب أن أشد السرعات المكتشفة إلى الآن هي (سرعة الضوء)، وتُقدَّر بحوالي ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، وتعلمون أيضاً أن أعظم طاقة اخترعها البشر إلى الآن هي القنابل الانشطارية (النووية والهيدروجينية)، وأن من أغرب الأشعّة، وأشبهها بما كان يُروى سابقاً عن الجن، هي أشعّة (الليزر).

وأقول لكم بصدق:

ما تنجزه المعرفة للفرد والأمة أسرع من الضوء.

وأعظم من الانشطار النووي.

وأغرب من الليزر.

بالمعرفة يكون خلاص الفرد، وخلاص المجتمع، وخلاص الأمة، كانت (اِقرأْ) أول كلمة نزلت على النبي محمد عليه السلام، وليس المقصود بكلمة (اِقرأْ) هذه فعل (القراءة) بالمعنى السطحي، إنها تعني بالمعنى الأكثر شمولية (اِعرفْ).. تقدّمْ نحو (المعرفة).. امتلك (المعرفة).. عمّق (المعرفة).. جسِّد (المعرفة).. وظِّف (المعرفة).

وعندئذ فقط تهتدي إلى الله.

وعندئذ فقط تتمثّل ذاتك.

وعندئذ فقط تتوحّد بالعالم.

إن القبائل المتصارعة في صحارى شبه جزيرة العرب، المتنافسة على موارد المياه النادرة، المتقاتلة على مرابع الكلأ القليلة، القبائل التي كانت تشكو الجوع والعُري، ألحقت الهزيمة بأكبر إمبراطوريتين في العالم القديم؛ الإمبراطورية الفارسية شرقاً، والإمبراطورية البيزنطية غرباً، وكوّنت دولة تمتد من حدود الصين إلى ساحل المحيط الأطلسي، وهل كان إنجاز ذلك إلا بفضل كلمة (اِقرأْ) التي تعني (اِعرفْ)؟!

ألا من كانت له عينان فلْيُبصر!

ومن كانت له أذنان فلْيَسمع!

ألا إنّ أضعف الشعوب قوةً، وأشدّها مظلوميةً وهواناً، وأكثرها تشرذماً وضياعاً، وأشقاها استلاباً وغياباً عن الساحة العالمية، لقادرةٌ بالمعرفة أن تستجمع قواها، وتوحّد صفوفها، وتسير بخطاً واثقة ورصينة نحو استرداد هويتها، وترتقي مواقع متقدّمة في ميادين التحضّر.

3- العصر المعرفي الأسطوري.

وللمعرفة مجالات كثيرة ومتشعّبة، إن مجالاتها هي مجالات الحياة نفسها، بكل ما تعنيه الحياة من بنى روحية ومادية، وبكل ما تشتمل عليه من مستويات نظرية وتطبيقية، وبكل ما تقتضي من حاجات جمالية ونفعية، وبكل ما تستلزم من متطلّبات فردية ومجتمعية. أما حدود المعرفة فهي حدود الكون نفسه، بكل ما يعنيه الكون من حجر وشجر، وحيوانات وبشر، وأرض وسماوات، وكواكب ونجوم ومجرّات.

وأما عن فروع المعرفة فحدّث ولا حرج.

ففي السابق كانت البشرية تبتكر كل قرن، وربما أكثر، فرعاً أو فرعين من المعارف. لكن بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين بتنا نجد أنفسنا، خلال عَقْد من الزمان، إزاء بضع فروع جديدة من المعارف؛ حتى إن المرء المتعطّش إلى المعرفة، الراغب في الإحاطة بمعظم العلوم الأساسية، كما كان بعض القدماء يفعلون، يجد نفسه عاجزاً كل العجز عن مواكبة الجديد من المعارف، بل يكاد يشعر بالإحباط التام، ويرى أن اليوم الواحد، بساعاته الأربع والعشرين، أضيق من أن يتّسع لما ينبغي أن يُلمّ به من معلومات، ويحيط به من معارف.

وأحسب أن (الفلك) كان أمّ العلوم في العصر المعرفي القديم جداً، وتحديداً في الألف الثاني قبل الميلاد، سواء أكان ذلك عند السومريين وورثتهم الأكّاديين والغُوتيين والبابليين، أم كان عند المصريين القدماء، أم كان عند الآريين الشرقيين (الهنود، الكرد، الفرس)، أم كان عند الآريين الغربيين (الإغريق)، وأرى أن نسمّي هذا العصر باسم (العصر المعرفي الأسطوري).

في هذا العصر نجد تشابكاً وتلاحماً وتضايفاً عجيباً بين الآلهة والأجرام والطبيعة والبشر، كانت الآلهة وأشباه الآلهة محور المعرفة، وكان الإنسان لا يجد نفسه، ولا يعي ذاته، ولا يعي الطبيعة، إلا عبر الآلهة؛ ففي الأساطير السومرية كان (أنكي) إله السماء كبير الآلهة، وكذلك كانت (أبسو) إلهة الماء عندهم، وكان (آنو) إله السماء عند البابليين، و(آشور) من آلهة الشمس عند الآشوريين، و(ميثرا) إله الشمس والنور عند الآريين الشرقيين، و(هيليوس) إله الشمس عند الإغريق، و(زيوس) إله السماء عندهم، و(رُعْ) هو الإله الشمس عن المصريين القدماء، و(يَهْوَه) الإله الذي يتجلّى في الصاعقة عند اليهود.

4- العصر المعرفي الفلسفي.

ومع حلول الألفية الأولى قبل الميلاد تراجع (العصر المعرفي الأسطوري) رويداً رويداً، وحلّ محلّه (العصر المعرفي الفلسفي)، وجرى هذا التحوّل المعرفي الهامّ على أيدي الإغريق في الشاطئ الغربي لآسيا الصغرى [غربي تركيا الآن]، فظهرت (الفلسفة الطبيعية)، ومن أشهر فلاسفة هذه المرحلة: طاليس (624-545 ق.م)، وأناكسيمندروس (610-546 ق.م)، وهيراقليطس (535- 475 ق.م)، وزينون (490- 430 ق.م)، وفيثاغورس (588-503 ق.م). وانصبّ الاهتمام المعرفي في هذه المرحلة على البحث في جدلية العلاقة بين الإنسان ومظاهر الطبيعة والأعداد، ولكن على نحو أكثر عقلانية.

وفي النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد انتقل مركز الثقل المعرفي إلى جنوبي بلاد اليونان، وطوّر الإغريق هناك استكشافاتهم المعرفية الخلاّقة، فأبدعوا ما يُعرف بمصطلح (الفلسفة الإنسانية). ومن أشهر فلاسفة هذه المرحلة: بروتاغوراس (485-411 ق.م)، وسقراط (427- 399 ق.م)، وأفلاطون (427- 347 ق.م)، وأرسطو (نحو 367- 322 ق.م).

وقد انصبّ الاهتمام في هذه المرحلة على البحث في الإنسان فرداً ومجتمعاً؛ تارة برؤية هي مزيج من المثالية والواقعية كما هي عند سقراط، وتارة أخرى برؤية مثالية كما هي عند أفلاطون، وتارة ثالثة برؤية مادّية كما هي عند أرسطو. وكان للبحث الفلسفي الإنساني ثلاث دوائر متكاملة متفاعلة هي: دائرة الحق، ودائرة الخير، ودائرة الجمال.

5 – خارج العماء.

وأحسب أن أعظم ما قدّمته الفلسفة الإغريقية، بشقّيها الطبيعي والإنساني، وبوجهيها المثالي والمادّي، للبشرية هو تحرير (الوعي) من ضبابيّات المعرفة الأسطورية، وتحليل الوجود الإنساني والبحث في مشكلاته بعيداً عن هيمنة الآلهة وأشباه الآلهة، وتحرير البشرية من تسلّط الإيديولوجيات الكهنوتية المؤسسة أصلاً على البنى الأسطورية، والتي تختلق شرعية تنسبها إلى الآلهة وأشباه الآلهة، وتتّخذها جسراً إلى التحكّم في مصائر المجتمعات.

والحق أن المعرفة الفلسفية الإغريقية ما زالت تفعل فعلها في الفكر البشري، فالمعرفة الأوربية التي سادت في القرن العشرين، وجعلت البشرية تتّخذ الكرة الأرضية منصّة انطلاق نحو الكواكب والنجوم والمجرّات، إنما تعود في الأصل إلى الفكر الفلسفي الأوربي الذي نما وترعرع في عصر النهضة، وهل تأسّست المعرفة في عصر النهضة إلا على أركان الفلسفة الإغريقية؟!

وكانت البشرية محظوظة عندما خابت محاولات الملك الفارسي الأخميني دارا الأول وابنه أحشويرش في السيطرة على بلاد الإغريق، كان ذلك في سنتي (490 ق.م) و(479 ق.م)، ولو أفلح الفرس في محاولاتهم تلك لأجهضوا عملية تحرير الوعي البشري من قيود العصر المعرفي الأسطوري، ولحال الكهنوت الشرقي المؤسطَر دون ولادة الفلسفة الإنسانية، ولُرمي بأجيال البشرية مرة أخرى في برازخ العماء.    

. . . . . .

كانت النية معقودة على الحديث عن الحكماء والفلاسفة.. وكنت- وما زلت- أعدّ الحكماء والفلاسفة أساتذتي الأوائل.. ولي مع بعض هؤلاء الأساتذة الأجلاّء رحلات عرفانية مديدة، وأحسب أنها كانت رحلات مفيدة بقدر ما كانت ممتعة.. وأجزم أنه لولاها لكنت أدور إلى الآن في فلك الثقافات البدائية التعيسة.

وها أناذا أرى أن الحديث سار نحو (المعرفة).. وهذا ما عهدته من نفسي في كثير من الأحايين.. فقد أبدأ بفكرة، ثمّ أرى أفكاراً أخرى تتزاحم، وتتسابق إلى الحضور، فلا ألجمها ولا أقمعها، بل أطلق لها العنان، وأرسلها كما هي.. وهذا ما وجدتُني أفعله في هذه الحلقة، ولست بنادم على ذلك ولا آسف.

ومهما يكن فلا حديث عن الحكماء والفلاسفة خارج (المعرفة).

ولا بد من العودة ثانية إلى أساتذتي الحكماء والفلاسفة.

(وإلى اللقاء في الحلقة العشرين).

28 - 2- 2005   الدكتور أحمد الخليل dralkhalil@hotmail.com


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar