الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 11:56 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة السابعة والعشرون - أنت صاحب إمبراطورية.. فكيف تديرها؟!

1 – للإمبراطوريات ثمن!

الإمبراطورية دولة عظمى، تحكم شعوباً وقبائل كثيرة.

وفي تاريخ البشرية قامت إمبراطوريات،  وزالت إمبراطوريات!

إمبراطورية آشور امتدت من الخليج العربي والهضبة الإيرانية شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً.

وإمبراطورية ميديا امتدت من أفغانستان شرقاً إلى آسيا الصغرى غرباً.

وإمبراطورية فارس امتدت من حدود الصين شرقاً إلى بحر إيجة غرباً.

وإمبراطورية الإسكندر المكدوني امتدت من أواسط أوربا غرباً إلى الهند شرقاً.

وإمبراطورية روما امتدت من إنكلترا غرباً إلى نهر الفرات وأرمينيا شرقاً.

وإمبراطورية بني أميّة امتدت من حدود الصين شرقاً إلى إسبانيا غرباً.

وإمبراطورية المغول امتدت من المحيط الهادي شرقاً إلى بلاد الشام غرباً.

وإمبراطورية بني عثمان امتدت من جبال زاغروس شرقاً إلى النمسا في قلب أوربا غرباً.

وإمبراطورية روسيا احتلت ثلث الكرة الأرضية في آسيا وأوربا.

وإمبراطورية بريطانيا حكمت أقطاراً وشعوباً في القارات الخمس، وما كانت تغيب عنها الشمس.

ولا تنشأ الإمبراطوريات بسهولة.. إن قيامها بحاجة إلى جهود مضنية؛ ودموع تُسال، وجراح تَدمى، ورقاب تُقطع، وقلاع تُدمَّر، ومدن تُستباح، وأهرامات من الرؤوس تُقام، وملايين من البشر تُشرَّد، وقوافل من الأسرى تُباع في أسواق النخاسة كما تباع الأنعام.

2 – اهدأ قليلاً!!

ولعلك تهمس متحسّراً:

-  وأنا .. ماذا أملك من هذا العالم؟! أين أنا من سرجون الآشوري، وكيخسرو الميدي، وقورش الفارسي، والإسكندر الإغريقي، وهادريان الروماني، والوليد بن عبد الملك الأموي، وجنكيزخان المغولي، وتيمورلنك التتري، ومحمد الفاتح العثماني، وبطرس الأكبر الروسي، ونابليون الفرنسي، وملوك التاج البريطاني؟!

 أجل، أين أنا من كل هؤلاء؟!! 

حسناً.. اهدأ قليلاً، ولا تبتئس.. أنت أيضاً صاحب إمبراطورية.

حقاً أنت إمبراطور عظيم.. وإمبراطوريتك أكبر من جميع الإمبراطوريات؛ مع أنك لم تجرّد سيفاً، ولم تقد جيشاً، ولم تخض معركة، ولم تفتح حصناً، ولم تستبح مدينة، ولم تسفك دماً، ولم تقد أسيراً، ولم ترمل امرأة، ولم تيتم طفلاً.

إمبراطوريتك هي منحة من الله.

وكُتبت باسمك في الدنيا والآخرة.

أتدري ما هي؟!

إنها أنت.. إنها كيانك.. إنها ذاتك.

بلى.. حيثما تتنقّل إنما تتنقّل إمبراطورية بكاملها!

تتألّف إمبراطوريتك من حوالي ستين مليار خليّة، يموت منها كل ثانية حوالي خمسين مليوناً، فيحل محلّها خمسون مليوناً أخرى. وتضم إمبراطوريتك عشرات آلاف الكيلومترات من الأعصاب والأوردة والشرايين، يتجاوز طولها قطر كرتنا الأرضية. وفي إمبراطوريتك آلاف الأعضاء والأجهزة التي تعمل بنظام دقيق ليل نهار، فلا تكلّ ولا تملّ، ولا تتقاعس ولا تتهاون، ولا تطلب منك جزاء ولا شكوراً.

حقاً، أنت على رأس إمبراطورية مساحتها الكون، فلا أحد يضايقك، ومداها العمر، فلا أحد ينافسك.. فوّضك الله أن تكون فيها الحاكم الأوحد أمراً ونهياً، وإصلاحاً وتقويضاً، وتقديماً وتأخيراً.

3 – كيف تدير ذاتك؟

ولكل إمبراطورية:

-      مكوّنات مادية هي الجغرافيا والرعايا والثروات.

-      ومنطلقات مثالية روحية هي العقائد والقيم والتشريعات.

-      ومقوّمات شعورية جمالية هي الآداب والفنون.

-      وسياسات عملية هي القرارات والممارسات.

ولكل إمبراطورية مسؤوليات تتمثّل في تحقيق الانسجام والتناغم والتوافق بين هذه العناصر جميعها، وإلا فسرعان ما تتوالد فيها التناقضات، وتتفاقم فيها المشكلات، فتتمزّق وتصبح أشلاء، وتصبح الإمبراطورية بلاء على الإمبراطور نفسه وعلى الناس.

وكذلك إمبراطوريتك:

- مكوّناتك المادية هي جسدك ومظهرك.

- ومنطلقاتك المثالية والروحية هي عقيدتك وقيمك.

- ومقوّماتك الشعورية والجمالية هي أحاسيسك وعواطفك.

- وسياساتك العملية هي قراراتك وممارساتك.

و ما دمت صاحب إمبراطورية فكيف تديرها؟!

بلى.. كيف تدير ذاتك؟!  

4 – تعال أحدّثْك!

إلى أن تقعد مع ذاتك، وتلملم شتات أفكارك، تعال أحدّثك عن تجربتي؛ فقد اكتشفت في وقت متأخّر أني صاحب إمبراطورية، ووجدت نفسي كمن عرف فجأة أنه صاحب كنز ثمين، لكنه جهل قيمته، وفرّط فيه، ولم يدرك حقيقته إلا بعد حين. ومع ذلك لا بأس! فوعي الذات متأخراً أفضل ألف مرة من الغفلة الأبدية.

ولأبدأ بجغرافيا الجسد؛ فإن لإدارتها مقوّمات ثلاثة:

-      النظافة.

-      والرياضة.

-      والمأكل والمشرب.

أما النظافة فقد ربّتني عليها الوالدة- رحمها الله- منذ الصغر، وتلقّت هي تلك الخصلة من والدتها (جدّتي) رحمها الله، وبعد أن ازددت علماً تأكّد لي حقاً أن النظافة من الإيمان، وأن على المرء ألا يجعل من نفسه (سلّة مهملات) أو (كومة قاذورات)، لكن لا ينبغي أن يصبح مهووساً بالنظافة كالموسيقار الشهير محمد عبد الوهّاب؛ إذ كان كلما صافح شخصاً بادر إلى تطهير كفّه بالكحول (الإسبيرتو).

وأما الرياضة فكان لي شغف بها منذ الصبا، وكنا – نحن الصبية-نمارس في القرية رياضات فطرية؛ مثل الجري، وصعود الجبال، وهبوط الوديان، وتسلّق الأشجار العالية، وكانت هذه الرياضات تبني الجسم، وتمنحه الحيوية والمرونة، وتكسبه المتانة والصلابة.

وأذكر أن ساحات البيادر كانت (نوادي) لنا، نلتقي فيها لرياضة المصارعة، وهي رياضة حُرم منها اليوم أولادنا، وعلمت أن رياضة المصارعة كانت شائعة في قرانا سابقاً، وكان المصارعون المشاهير يدورون على القرى، ويدعون إلى المبارزة، بل كانت المصارعة من الفقرات الترفيهية الضرورية في ختام كل عرس.

وكنت - وما زلت- أنزع إلى الرياضات الفردية، كالسباحة والجري والمشي والتمارين وحمل الأثقال. وبما أن سكان القرى- بما فيهم أسرتي- كانوا يعدّون ممارسة الرياضة المنهجية ضرباً من الفذلكة، وخروجاً على الآداب العامة، كنت مضطراً إلى ممارستها ليلاً في أماكن منعزلة خارج القرية، وكان لي في كل موقع صخرة معيّنة لرياضة الأثقال.

 وأذكر أني انطلقت في ليلة صيفية إلى وادي ليلون (جنوبي القرية)، وأتممت برنامجي الرياضي، وفي طريق العودة أحسّ بي راع عجوز، فظنّني حاطب ليل، وما تخلّصت منه إلا بصعوبة، خشية أن يعرفني، وإلا فإن الجميع – بما فيهم الوالد رحمه الله- كان سيتساءل: ماذا يفعل أحمد خارج القرية في هذا الوقت من الليل؟! وكانت الظنون ستتوالد، والشكوك ستتفاقم.

وما زلت إلى يومنا هذا محتفظاً بحبي لرياضات ثلاث: السباحة، والمشي، والتمارين. وأحسب أن ذلك مهم جداً للاحتفاظ بجسدي متماسكاً ونشيطاً وفاعلاً.

وأما المأكل والمشرب فمنهجي فيهما الاعتدال، والتزام قاعدة: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع)، أي لا نأكل إلى درجة التُّخَمَة. وأعلم يقيناً أن المأكل والمشرب ليسا هدفين، وإنما هما وسيلتان للاحتفاظ بالجسد حياً وحيوياً، وقادراً على التعامل والتفاعل مع المحيط والمواقف بكفاءة.

5 – نحو الجمال.

  وأدركت أيضاً أنه لا ينبغي أن تكون إمبراطوريتي خلواً من الإيمان العميق، والمبادئ المثالية، والقيم السامية، وصحيح أني تلقّيت هذه الأمور في البداية، وعلى نحو اتّباعي تقليدي، من الوالد رحمه الله، لكن مطالعاتي أغنت هذا الجانب كثيراً، وجعلته أكثر نضجاً، وأجدى فاعلية.

وأعتقد أني أفدت كثيراً من قراءة سير الأنبياء والحكماء والمتصوّفة والفلاسفة، ومن تفاصيل حياة العباقرة والمشاهير في سائر المجالات، وفي ثقافات مختلف الشعوب. وأحسب أن إمبراطورية مجرّدة من المبادئ والقيم السامية، هي إمبراطورية منفلتة من العقال، وليس نهايتها إلا الخراب والوبال، إذ بالقيم السامية يصبح المرء جديراً بإنسانيته.

وكنت منذ عهد الصبا جيّاش العواطف، رقيق الأحاسيس، مرهف المشاعر، أفرح فأفرح بصدق، وأكتئب فأكتئب بعمق، وأغضب فأغضب بشدّة، وكنت أعهد هذه الصفات بوضوح في الوالد رحمه الله، ولعلّها انتقلت إليّ عبر الجينات الوراثية، إذ ألمحها في إخوتي وأخواتي أيضاً، وأحسب أن هذه الصفات كانت- وما زالت- وراء ميلي إلى العزلة، ورغبتي في تحاشي الناس الذين قد أصبح معهم في ورطات انفعالية وصدمات شعورية.

وكنت- وما زلت- أؤمن أن كل إهمال لتربية المشاعر الرقيقة والنبيلة، وكل إهمال لتنمية الأحاسيس الجمالية، إنما يعني الابتعاد عن الفطرة الإنسانية، والانسياق مع نزعات الفظاظة والجلافة والتوحّش.

وأحسب أن الطبيعة الساحرة، والشعر الأصيل، والموسيقا الرائعة، واللوحات الفنية البديعة، تسمو بمشاعرنا، وتأخذ بأيدينا إلى عالم الرقة والجمال، كما أنها تنقذنا من كوابيس الحياة، وتريح أعصابنا، وتصحّح اتّجاه بوصلتنا الإنسانية، وتمنحنا القدرة على الحياة بصورة أكثر تفاؤلاً وإشراقاً. 

6 – حكمة سيريلانكية!

وقد أدهشني في هذا المضمار قول لطالبتي السيريلانكية (نَصيحة) منذ أشهر؛ إنها كانت ضمن مجموعة من الطالبات السيريلانكيات اللواتي أعلّمهن العربية، وكنت أدرّبهن على التعبير عن الذات، فقالت (نصيحة): أستاذي! أنا أحب رؤية الأزهار، ووجوه الأطفال؛ في الأزهار أجد الجمال، وفي وجوه الأطفال أجد البراءة.

قلت في نفسي: كم أنت متقدّمة شعورياً وجمالياً يا نصيحة!

حقاً، كي ترتقوا بمشاعركم الإنسانية، وبأحاسيسكم الجمالية، اقتربوا من الطبيعة، ادخلوا في علاقات جمالية مع الأشجار والأطيار، مع الأزاهير والفراشات والجداول، مع السحب والشفق، مع الهضاب والكثبان، مع الوهاد والجبال، ارموا بأنفسكم في أحضانها، تحدّثوا إليها، استمعوا إليها. ولا تنسوا وجوه الأطفال أبداً؛ وقد قيل قديماً:

     إذا قالت حَذامِ فصدّقوها         فإنّ القولَ ما قالت حَذامِ

وأقول على القياس:

    إذا قالت (نَصِيحةْ) فصدّقوها     فإن القولَ ما قالت (نصيحةْ)

7 – في الميزان!

ولتكن وقفتي الأخيرة مع سياساتي العملية في إمبراطوريتي، وكائناً من كنت، وفي أي موقع كنت، أقترح عليك أن تقتطع شهراً واحداً من حياتك، لاحظ كم من الأفكار فيه راودتك! وكم من الخواطر جالستك! وكم من الأحاسيس لابستك! وكم من العواطف اجتاحتك! وكم من المشاعر حاصرتك! وكم من المعضلات أشغلتك! وكم من العلاقات نسجت! وكم من القرارات اتّخذت! وكم من المواقف مارست! وكم من الأعمال أنجزت! وكم من الأهداف حققت!

ستجد نفسك أمام كمّ هائل من كل هذا.

وليس ذلك فحسب، بل أنت إزاء كل ما سبق في الميزان.. فقد تكون معرّضاً للنجاح أو للسقوط، وقد تصبح في القمة أو تتدحرج إلى الحضيض، وقد يقال فيك: ما أعقله! وما أنبله! وما أرقّه! أو قد يقال: ما أغباه! وما أنذله! وما أجفاه وأغلظه!

ولا تنس أيضاً أن إمبراطوريتك تتداخل- شئت أم أبيت- مع كيانات إمبراطورية أخرى لا تحصى؛ منها المسالم ومنها المتوحّش، منها المتنوّر ومنها الظلامي، منها النبيل والجليل والجميل، ومنها الدنيء واللئيم والقبيح، منها المحب الوفيّ المخلص، ومنها الكاره المناور الغادر. ولا ريب أن إدارة هذا الكم الهائل من العلاقات، مع هذا الكم الهائل من الكيانات، مسؤولية لا  تنبغي الاستهانة بها مطلقاً، وهي بحاجة ماسّة إلى رؤية منفتحة، ومعرفة واسعة، وحكمة بالغة، وعقل راجح، وفكر متيقّظ. وكي تمتلك هذه القدرات والمزايا لا بد أن تضع لنفسك برنامجاً له ثلاثة أبعاد:

-      بعد تثقيفي معرفي.

-      وبعد تأمّلي تجريبي.

-      وبعد تقويمي تطويري.

8 – مقترحات!

وأقترح عليك، عبر ثقافتي وتأمّلاتي وتجربتي، ما يأتي:

-       لا تُرد لغيرك ما لا تريده لنفسك.

-       اعتدل في كل شيء، واحذر التطرّف.

-       كن صريحاً وواضحاً، وتجنّب النفاق.

-       لا تتّخذ قرارات مصيرية وأنت غاضب.

-       لا تتسرّع، فالحكمة كل الحكمة في الصبر.

-       تواضع، ولا تستكبر، فبقدر ما تستكبر تُهان.

-       أنصف الآخرين من نفسك، ولا تظلم، فالظلم مرتعه وخيم.

-       عليك بالرِّفق في الأمور، فمن حُرِم الرفق حُرم الخير كله.

-       أحسن النيّة، وتكلّم بصدق، واعمل بإخلاص.

-       عامل الناس: الأكبر منك كأمك وأبيك، والأصغر منك كابنتك وابنك، ومن هم مثلك كأختك وأخيك.  

-   -   -

هكذا أحاول أن أدير إمبراطوريتي؛ أقصد: ذاتي.

فأفلح حيناً، وأخيب أحياناً أخرى.

 (وإلى اللقاء في الحلقة الثامنة والعشرين ).

  1 - 7 - 2005   الدكتور أحمد الخليل dralkhalil@hotmail.com


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar