الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Thu - 2 / May / 2024 - 15:07 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
الحلقة التاسعة والعشرون - سِفْر الخروج إلى مكان تحت الشمس!

1 – بطولات وهزائم.

بعض ما أقوله قد يكون قاسياً.

وأعلم أن بعضه قد يكون مزعجاًً.

هذا رغم نفوري الشديد من القسوة، وكرهي الشديد للإزعاج.

لكن ما يشجّعني على القول هو أمران:

-   أولهما أني لم أتعمّد في حياتي قط أن أقسو على الآخرين أو أزعجهم رغبة في التشفّي أو حباً للإيذاء، وأعدّ هذه السلوكيات شكلاً من الضعف وضرباً من الانحطاط.

-   وثانيهما أن ما قد يبدو في بعض أقوالي من قسوة هو في جوهره محاولة للتطوير، وسعي إلى الارتقاء، أفلا ترون أن صعود القمم الشامخة يتطلّب تحمّل شيء من القسوة؟!

وقد اعتدنا – نحن الجيل الموجِّه والمرشد وجيل القدوة؛ سواء أكنا آباء أم كنا في أي موقع ريادي آخر – أن نجود على أولادنا وحفدتنا بالحديث عن الجانب البطولي في أشخاصنا: كيف تغلّبنا على الصعاب والمشقات؟! كيف أصبحنا أغنياء بعد أن كنا فقراء؟! كيف انتقلنا من حضيض الجهل إلى قمم العلم؟! كيف صمدنا للتحديات؟! كيف ألحقنا الهزائم بمن أراد لنا الشر؟! كيف؟!.. وكيف؟!.. إلخ.

ولا ريب أن الحديث عن البطولات – إذا كانت حقيقية، وإذا عرضناها بأحجامها وفي فضاءاتها الواقعية- أمر مفيد، ومن الضروري أن يعرفها الأجيال، ففي ذلك تحفيز لهم إلى السير قُدماً في مراقي الفلاح، وتشجيع لهم على الصبر والثبات وقوة العزيمة وشدة المراس، وفيه بثٌ للأمل في نفوسهم حين تجتاحهم الشدائد من كل حَدَب وصوب.

ولا ريب أيضاً أن مسيراتنا الحياتية لا تخلو من الإخفاقات، وفيها كثير من الهزائم، وأحسب من جانبي أنه من الضروري الوقوف وقفة واقعية نقدية عند بعض هذه الإخفاقات والهزائم على أقل تقدير؛ إذا لم نجرؤ على الوقوف عند جميعها، وأن نستعرضها أمام أولادنا وحفدتنا كما هي، من غير تعديل ولا تجميل، ولا تحوير ولا تزوير، وحتى من غير شعور بالنقيصة أو الهوان.

وأحسب أن ممارسة كهذه شكل راقٍ من أشكال البطولة أيضاً.

2 – سِي السيّد!!

ومنذ أن كنت في عهد الشباب لفت انتباهي شخصية (سيّد عبد الجواد) – ولعلي لم أنس اسمه الصحيح- في ثلاثية الروائي المصري الشهير نجيب محفوظ، فإن (سِي سيّد)- كما يقول الإخوة المصريون بلهجتهم الظريفة- هو من أبناء الطبقة القاهرية المتوسطة، وهو يحرص كل الحرص على الظهور أمام أسرته بصورة ملؤها الوقار والرزانة والفضيلة والتقوى، إلى درجة أن الجميع كان يشعر إزاءه بالهيبة والرهبة، وينظرون إليه كما كان القدماء ينظرون إلى أشباه الآلهة.

أما في خلواته الخاصة مع أصحابه المقرّبين، وفي سهراته الليلية بعيداً عن الأسرة، فكان (سي سيّد) ينسجم مع نفسه، ويظهر على حقيقته، ويطلق العنان لنزعاته الفردية، بل كان ينساق خلف شهواته، ويعبّ من الخلاعة والتهتّك حتى الثّمالة.

وأحسب من جانبي أن نجيب محفوظ كان ذكياً في تركيز الضوء على هذا الجانب العجيب من الشخصية الشرقية، بل أعتقد أنه كان من خلال (سيّد) يفضح تلك الشخصية، ويندّد بها، وينفّر منها. وبالنسبة لي أفهم من نمط (سيّد) أنه يجسّد ثلاث صفات انحطاطية بارزة، تتمثّل في:

-      أنه لا يمارس ما يؤمن به.

-      وأنه نتاج مجتمع الخوف.

-      وأنه يعيش حالة انفصام في الشخصية.

3 – كيس إسحاق!

وكان هذا النمط الانحطاطي، على الدوام، عرضة للهجوم الشديد من قبل أصحاب النظرة الارتقائية، وكثيراً ما تناوله الأقدمون - ولا سيما الشعراء- بالقدح والتنديد؛ فهذا الشاعر العباسي عبد الصمد بن المعذَّل يقول في أخ له اسمه أحمد:

    يُري الغُزاةَ بأنّ اللهَ همّـتُه     وإنّما كان يغزو كيس إسحاقِ

وكان أحمد هذا قد أراد الغزو في سبيل الله، ضمن جيش إسحاق بن إبراهيم قائد جند بغداد، ثم ما لبث أن أنشد القائدَ قصيدةً عصماء يمدحه فيها، فمنحه هذا مئتي دينار [وهذا مبلغ كبير في ذلك الوقت]، ولما رأى أنه استغنى ترك المشاركة في الغزو، وغادر المعسكر عائداً إلى بيته.

وهذا شاعر آخر يسمّى محمود الورّاق [والوِراقة قديماً هي مهنة طباعة الكتب وبيعها] يقول في بعض من نهجوا النهج النفاقي الانحطاطي:

       أظهروا للنـاس دِيناً       وعلى الدينـار داروا

       وله صـاموا وصلّوا       وله حجّـوا وزاروا

       لو بدا فـوق الثُّريّا        ولهم ريش لطـاروا

        [الثريا مجموعة من النجوم].

وقبل هذا وذاك قال أبو العتاهية في قصيدته الشهيرة التي وعظ فيها هارون الرشيد:

      أحسنَ الله بنــا       أنّ الخطايا لا تفوحُ

      فإذا المستورُ من       بين ثوبَيه فَضُـوحُ

4 – نحو التأسيس.

وأعلم أن لكل عصر هويته وخصوصيته.

وأن لكل طور تاريخي مقتضياته ومتطلّباته.

فهاتان حقيقتان لا يجوز القفز فوقهما بأي حال من الأحوال.

لكن ها نحن قد اجتزنا عتبة القرن الحادي والعشرين، فلا ينبغي أن نعيش بأجسادنا في هذا القرن، وننتمي بعقولنا وسلوكياتنا إلى القرن التاسع عشر، مع ضرورة الأخذ بالحسبان أن الزبد يذهب جُفاءً، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وبعبارة أدق: ينبغي أن نأخذ بالاعتبار أن قيم الحق والخير الجمال هي صالحة لكل عصر بهذا القدر أو ذاك، ومفيدة لكل جيل بهذه النسبة أو تلك.

وأحسب أنه حان لنا- نحن الآباء والأجداد والمعلمين والمرشدين والموجّهين والمنظّرين- أن نجتاز البرزح الذي تاه فيه (سي سيّد) سابقاً، وأن نكف عن الظهور بمظهر المعصومين أمام الأجيال اللاحقة، إننا بحاجة ماسّة إلى التأسيس لثقافة جديدة هي نقيض ثقافة (مجتمعات الخوف)، وتربية أجيالنا من خلال سلوكياتنا على تلك الثقافة، وفي سبيلنا إلى تحقيق هذا الهدف نحن بحاجة إلى جرعات من الواقعية، وإلى جرعات من التواضع، وإلى جرعات من الصدق، وإلى جرعات من الشجاعة، وإلى جرعات من الثقة بالنفس.

ولو تتبّعنا سِيَر الحكماء والعظماء لوجدنا أنهم كانوا يمتازون بهذه الخصال، وكانوا يمتلكون الشجاعة على استعراض هفواتهم وجوانب النقص في أشخاصهم ومواقفهم، بل كانوا يتلقّون إشارات الآخرين إلى ذلك النقص بطيب خاطر، وأذكر في هذا الصدد أن الحكيم الصيني الشهير كونفوشيوس (كونغ فودزه = المعلم كونغ) كان يسير ذات مرة منتقلاً من ولاية إلى أخرى وهو ينشر مبادئه وأفكاره  وتبعه تلميذ له باحثاً عنه، ومر التلميذ في الطريق بفلاح صيني فسأله:

-      هل رأيت كونفوشيوس؟

-      لا أعلم .. لكن مرّ بي شخص طويل القامة، أعجف الجسم، كبير الأذنين، كان منظره يشبه منظر الكلب الضالّ.

أدرك التلميذ أن ذلك الشخص هو أستاذه كونفوشيوس، فلحق به، وروى له وصف الفلاح، فما كان من كونفوشيوس إلا أن قهقه ضاحكاً وهو يقول: " ما أروع هذا الوصف "!!

5 – الحبّة قبّة!!

وبطبيعة الحال لا أنسى القول المأثور – ولعله حديث نبوي صحيح-: " إذا ابتُليتم بالمعاصي فاستتروا ". ولا أنكر أن لكل إنسان في حياته هفوات قد تصغر أو تكبر، وأخطاء ربما أنه وقع فيها بسبب الجهل أو بتأثير نزوة من النزوات، وما أكثرها في الطبيعة البشرية! ولست ممن يطالب الناس بفضح أنفسهم، أو التشهير بها على رؤوس الأشهاد، فكل امرئ هو سيد نفسه، وله وحده الحق في أن يقول عن نفسه ما يشاء، وبالقدر الذي يشاء، وبالكيفية التي يشاء.

ولا أنسى أيضاً أن غالبية البشر، ولا سيما في مجتمعاتنا، يزهدون في نقل حسناتك، ويتوقون إلى إذاعة هفواتك، بل ثمّة من يتربّص بك، وينتظر بفارغ الصبر أن تبوح بنقيصة فيك، أو تذكر سلبية في شخصك، وحينذاك لا يعبأ ذلك المتربّص بما تتميّز به من صدق وصراحة ونبل وشهامة، ولا يقدّر لك رغبتك- عبر ذلك البوح- في إرشاد الآخرين إلى الأفضل، وحرصك على تجنيبهم مغبّة ما جنيته. وإنما سرعان ما يجعل من (الحبّة قبّة)، ويطير بما قلته فرحاً، ويبثّه شرقاً وغرباً على كل الموجات، بعد أن يضيف إليه من (التوابل) ما يشاء. وفي مثل هؤلاء قال الشاعر طُرَيح بن إسماعيل الثَّقَفي:

     إن يسمَعوا الخيرَ يُخفُوه، وإن سمِعوا
                      شراً أذاعوا، وإن لم يسمعوا كذَبوا

بلى، إن هذا الصنف من الناس قد يضطرك إلى البقاء في برزخ الخوف، وإلى الاستمرار في العيش بشخصيتين، إحداهما واقعية، والثانية مختلَقة، إن هؤلاء وأمثالهم هم صنّاع (مجتمعات الخوف)، وهم سدنته وكهنته، وهم الذين يشدّون البشرية إلى الخلف، ويحولون دون تقدّمنا بثبات نحو الإنسان الأعلى (السوبرمان)؛ الإنسان الذي دعا إليه الرسل والأنبياء والحكماء والفلاسفة العظام عبر مراحل التاريخ، ووصفه الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه بطريقته على لسان النبي الميدي زَرْدَشت، في كتابه (هكذا قال زرادشت)! 

6 – مكان تحت الشمس!

ومنذ سنوات قليلة فقط قاربتُ مشارف الحقيقة.

أدركت أن أثمن ما نهديه إلى أجيالنا هو (المعرفة الصائبة).

لا شيء أعظم من (المعرفة الصائبة).

ولا شيء أقوى من (المعرفة الصائبة).

ولا شيء أجدى من (المعرفة الصائبة).

منذ ذلك الحين حاكمت نفسي، وقررت الانخلاع من النمط الانحطاطي الذي رمز إليه نجيب محفوظ بـ (سيّد عبد الجواد)، وبدأت أجالس أولادي بين حين وآخر، وأكفّ عن سرد البطولات التي أزعم أني أنجزتها، وشرعت أسرد نقاط الضعف في شخصيتي، وأحلّل الهفوات والأخطاء التي وقعت فيها، وكنت ألاحظ أن الدهشة تتملّكهم أحياناً، ولعلّهم كانوا يقولون في سرّهم:

هل من المعقول أن والدنا كان ضعيفاً إلى هذا الحد؟!

وكان جاهلاً إلى هذا الحد؟!

وكان متهوّراً إلى هذا الحد؟!

وكان أحمق إلى هذا الحد؟!

وكان غبياً إلى هذا الحد؟!

بلى لعلهم كانوا يقولون هذا وأكثر في سرّهم، ولعل نظرتهم السابقة إليّ كانت تتعرّض للزلازل والانهيارات والانكسارات، ولعل صورة البطل الذي لا يُقهر، والحكيم الذي لا يُخطئ، والملا ك الذي لا يُذنب، كانت تفقد جزءاً من بريقها أو كل بريقها، ولعلها كانت تتفحّم.

لكن ما يسعدني أنني بهذه الكيفية استطعت الخروج من (دائرة الخوف)؛ الخوف من نفسي، والخوف من أن أعرف نفسي كما هي، بكل ما فيها من مساحات مضيئة ومساحات مظلمة، وأنني بهذه الكيفية استطعت أن أعرف نفسي (معرفة صائبة).

إننا بقدر ما نثق بأنفسنا نكفّ عن تضليل أجيالنا.

وبقدر ما نصارحهم بحقيقتنا نخرج بهم من (مجتمعات الخوف).

ونساعدهم على أن يجدوا لهم مكاناً مرموقاً تحت الشمس.

(وإلى اللقاء في الحلقة الثلاثين والأخيرة).

  3 - 8 - 2005   الدكتور أحمد الخليل dralkhalil@hotmail.com


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar