مزيداً من الشعراء

كأنك في حلم من أحلام ألف ليلة وليلة....

تستيقظ في الصباح على أنغام بائع الغاز أو الماء، لتضغط على زر السي دي

وتستمتع بصوت البلبلة فيروز وابنها الشقي زيادو وفي الوقت نفسه تطفئ ذلك

 المذياع الصغير(إذاعة غصب عنك) تطفئه وتتأمل متدبرا في معاني الموجودات

 من حولك، فيركض أخاك الصغير وهو آتٍ من الفلاحة ليرغمك على أن تسمع

 قصيدة كتبها عن حبٍ خائن أو حب جديد ويداه ملطختان بماء المتة..!

وعندما تنزل إلى الشارع لتستقل سيارة أجرة (بعداد) في زمنٍ برجوازي من دون

 عداد، يلتفت إليك السائق بلهفة: ويسألك...(حبيب مبين من شعرك الطويل انك

 بتشتغل بالورق أي كاتب أوشاعر، وحابب تعطيني رأيك بهل الأبيات)، ويبدأ عليك

 بجرف عارم من شعر بقافية وبدونها، في الوقت الذي يكون فيه عيناك على العداد،

  حيث أبياته الشعرية التي تصدع الرأس وتعلق الموازين ببعضها البعض وهو

 يصف غلاء البنزين وجمالية الحبيبة والطبيعة...!

تصل إلى عملك وإذ بزميلتك المرهفة الإحساس بكل نعومة تريد أن تقرا لك شيئا....

وقبل ان تهمس بشئ فتبدأ بوصلة غير منتهية  من النواح والآهات لتشتكي عن

غدر الحبيب وطول الليل والذكورية الشرقية المذعورة وووووو..!

هنا ترحل بك شريط الذكريات إلى الماضي ...، لأسباب لاتعرفها، أيام كان صديقك القديم

 في المعركة  يفاجئك بان يمتشق من حوزته الجلدية المخصصة للرصاص بلون التراب

 كومة من الورق المعتق، لتتفا جئ أنها قصائد من تأليفه وتقييمه وترشيحه، وقد نشرت

منذ سنة في جريدة لصديقه من السوفييت، وتجتر مع زملائك ألف مرة جملا مبعثرة تحكي

 بحرقة عن صعوبة الغربة وإرهاصات البنية التوافقية للمجالات الحربية ..! ولكن تتأكد بعد

 حين أن الذي سمعته لا يمت إليه بصلة فأنت تعرف جوهر هذا الصديق وكم هو بعيد عن

الشعر..... وا  اسفاه...

ويكرر التاريخ نفسه، فيصل الأمر إلى والدك الذي لم يتردد لجمعكم كل عدة أيام

لينظف أذهانكم بشعره ذات القافية الواحدة عن حبه لأمك..وفقر الشعوب..!

هنا تسيطر عليك (الهستريا) ليتصاعد الدم إلى راسك مرة واحدة وتضغط الشرايين

مع الأوردة بشراسة على النخاع الشوكي، فتلتفت لحولك لترى ان كل محيطك يتلّون

شعراً.. كما لو ان هناك من قام بتنويمهم مغناطيسياً وكأنك في حلمٍ تهيم على وجهك

وسط بركانٍ شعري، يودع ذهنك بأبيات مؤثرة من ترشيحه وتنقيحه ومن ثم تأليفه.!

فتركض في الشوارع إلى ان  تصل إلى تحت جسر الرئيس وتلتقي أشكالاًً تتمتم

شعراً بألوانٍ وتفعيلاتٍ متعددة، بائع اليانصيب..الجراف..الزبال..السائق...

..شرطي السياحة..!

فتتجه  إلى ساحة الأمويين هرباً من الشعر   لتتفاجأبشعر لا يشبه شعر الأمويين ...

ممثل على قناة الأولى يلقي( شعراً)...وعلى قناة

 الثانية  مذيعة تهمهم  شعراً...وعلى الثالثة سيناريست يؤلف شعراً....! حتى أصبح الشعر مهنة من لا مهنة له .. ومهنة من لا يفك شيفرة لغة الضاد، فهل يسمح المتنبي واحمد شوقي ووووووو

هنا تسال نفسك وسط زحمة سير المركبات والكلمات التائهة هنا وهناك.... هل أنا في حلم من أحلام ألف ليلة وليلة....ومن شهر زاد ومن شهريار ...هل انا في شهر أيار أم في شهر الشعر ؟

. فتجاوبك الغيوم الملبدة بتلوث البشر شعرا والسيارات غيوما داكنة تقتحم صدورنا شئنا أم ابينا  ..

شيار جومي –دمشق

6|7|2008

                                              siyarcumi@yahoo.com

 

سأحتفل بدونك

 كفاك عبثاً بثيابي

فقد مزقت قميص ميلادي،

كفاك شعوذة بجسدي

أيتها  البالية،

كنت يوماً قدري الأحمق..

أقفز أيها  الإله

أقفز ..

أبعدها عن مقبرتي...

ثوان قليلة

ويلتهم الجمر قلبي

أنت ...

أيتها الوردة

أحلفك بالتراب

ان تتركيني

بملح الخبز الذي بيننا

أبعدي شفاهك عني

ولاتمشطي شَعْري باصابعك

فقط..

ألتفتي

الى الخلف قليلاً

وتراجعي..

[…]

ابتسم أيها القمر

ابتسم معها..

           اخطفها..

                 انسجها..

                       قلمها من جديد..

 

أنزع تلك البذرة

التي نبتت فيها جديداً...

غازلها لتنساني..

لأعيش موتي الأخير

                             ............                     

بعضاً من الحبر

والورق...

غداءً ..

عشاءً ..

 أو

وليمة أفرشها على جسدي

لشعراء المقبرة...

قليلاً من الاحرف

وبعضاً

من الكلمات

لأرحب بقدومهم المؤجل

بكم...

      بي...

         وبدونها...

نعم سنغرق

حتى تتمزق الاوراق

على صليب الجرح

ونغوص في السواد

بل في السماء

كما علمنا الإله

التوسل اليه بقرع الطبول

ليكافئنا

بحفنة من المطر

ننسج منها

 عجينة صفراء

نرمم بها كفن الذكريات ...

نستدعي مشاعل النيران

نرقص حتى الفجر..

فتنبض الطرق

تحت أقدام

قوافل من البشر...

تبدأ مسيرة الزيتون

وهم..

يحتفلون بها

ثم يعاودون المجيئ

للمقابر...

يرقد الجميع

يموت الجميع

وانا...

انتظر القمر

ليأتي بها...

تلك التي عبثت

طويلا ًبثيابي...

============

فواصل وليست إلا....

  إننا لسنا من أولئك الذين لا يوصلون، بل نصل بسرعة...إلى تكوين الأفكار،

ولكن دائما ً تكون الأفكار خارج الكتب وعند الاطلاع عليها نفكر إلى البعد الثالث

الذي ما وراء الكتب، نفكر في الهواء الطلق ونحن ماشون ونحن نقفز، نرقص،

نسكر على الماء..!

ليس من الممكن الحصر أو التضييق على عوالم وطقوس الكتابة لدى المبدعين،

فنيتشه العظيم كانت تأتيه الأفكار وهو في الخامسة عندما كان يجلس عند قدمي

جدته تقص عليه حوادث غزو نابليون الأصقاع الألمانية  في القرن التاسع عشر ،

وعند تخرجه من جامعة بون درس اللغات اللاتينية واليونانية والعبرية والفرنسية

علاوة على لغته الألمانية.

أما غابريال ماركيز فقد كان مقتنعا ً بحاجة لخلق أدب جديد يتوفر فيه التوعية

والتحريض ، في الوقت الذي عمل فيه في السينما والحقوق والصحافة ،وهو

الذي اختاره كاسترو ليصنع مكتبة لحزبه من أفكاره وكلماته التي صنعها من

حكايا وأساطير جده ...

وأجاثا كريستي كانت تأتيها أروع الأفكار وهي في الحمام حيث تقضي ساعات

وهي مسترخية في البانيو القديم...

أما جورج سمينون فقد كان يجلس على منضدته حيث دليل التلفونات وعناوين

من كل شوارع وأزقة العالم وخارطة الصرف الصحي التي ستدور أحداث الرواية

فيها ومفكرة ودفتر للتدوين، أقلام، سجائر، أوراق وحبر...

هذا ناهيك عن فان كوخ الذي قطع إحدى أذنيه وأهداها لحبيبته وآخرون لم تذكرهم

صفحات التاريخ ......

ولكن دائما ًيجب  علينا أن نعلم أين سنضع الفاصلة والنقطة وأن (كومة من الحقائق

لا تساوي علما ً ) ، وأن الكتابة وطقوسها تختلف من حبر إلى حبر ومن كاتب لكاتب

ومن بلد لآخر ...  فكُتابنا وشعرائنا لا تأتيهم الأفكار إلا وهم في السرافيس والنقل الداخلي

أو بعد أكل سندويشة نقانق عالماشي ، أما مشكلة المقاهي عندهم والجلوس المتواصل هناك

هو سر نضج الأفكار بسرعة أسرع من طبخة الملوخية ....

 

                                              شيار جومي –دمشق

24|5|2008

                                              siyarcumi@yahoo.com

  العودة إلى الصفحة السابقة