جهة المدينة وحليب النوق

 

 

 

قصائد ونصوص

 

حنيف يوسف

 

.... ويحب ناقتها بعيري

المنخّل اليشكري

 

في المقصورة الأخيرة لقطارات الضوء

اقتعدت هذه الكلمات طويلاً حصيرة من الشوك
 

أقنعة السهروردي ومدائح هيلين

 

بأجنحتها الخمسة وقاراتها الخمس

أطلق القصائد

إلى لعلعة حضورك الموشوري

على شكل أشعة لا بد منها

وألوان هي فوتوغراف الأوثان الرجيمة

والطقوس المقدسة

على شكل أشعة لا بد منها

تطلقين العنان لقانون الجاذبية

ومشيئة الأزهار في ممالك النحل البري

كي تلمس عيون الكائنات الحية

آثار الموتى قريباً من شوارع المدينة

وقريباً من كل شيء..

بأجنحتها الخمسة وقاراتها الخمس

أطلق القصائد

إلى صورتك الضوئية في ذاكرة " ميكيل أنجلو"

الذي جاء تواً الى عمارتي المهدمة

فوق ظهري؛ حاملاً إزميله المبارك

وكادت أن تلتمع عيناه الخبيثتان

حين وددت أن أطلق إلى وجهكِ ابتسامةً متعبة

 

لأجلك؛

ابتكرت طروادة أحصنتها الخشبية

والأمم فرسانها الأشداء وحروبها الجبارة

وكذلك ذاكرتها الآثمة

لأجلك يا هيلين

يشهد القمر تحوّلاته

من قرصٍ ناري إلى قوس فضة

ومن ابطٍ عميق كوادٍ محذوف

من الجغرافيا في أقاليمنا الشمالية

إلى شفتين كرزيتين تتحدثان إليّ عن التعب

أو تضمران خوفاً سرياً من الرجال الجوف

وتكاثر الأوبئة والعلاقات

لأجلك؛

أفتح أذنيّ على مصراعيهما

أصغي الى الضجة الصامتة؛

لهذا الخوف الكبير والى موسيقا قدميك..

دعيني أمدح فيك مملكتي

و أتلمس بشراهة بالغة

تناغم حركة الكواكب الأليفة الى قلوب النباتات

تلك التي تؤدي التحية إلى البشر

كونهم بشر لو علموا

إني أكاد أن أكون حراً

أو أصاب بالدهشة أمام الجبروت الطيب

لانسجام البحار والمراكب

أو لتزامن الإنتظار مع عينين تقولان كل شيء

عينين عميقتين جداً..

دعيني أمدح فيك مملكتي

أو أقدح شرارة من صوانة ملائكية

لأشعل سيجارتين واحدة لي وأخرى لك

ثم نتحدث بحذر مقصود يزرعه الشك بيننا

كي يصبح خوفاً احتياطياً تقتضيه أوبئة الممالك

دعيني أرتب صمتي كما ترتبين عريك

أمام عيون الآلهة وفي مرأى من الظلام

وتفضين بسرك إلى بياض كامل

يثير الشهوات المخبأة في قميص الجسد

دعيني أطلق عليك أسماء نسائي كلها

وأسماء مدني وقراي

أسماء أعشاب الطبيعة

وأسماك البحار الحية

وسرطانات المياه العذبة؛

وأشجار الأحراش الجبلية

وأختار منها ما شاءت أرواح الممالك البائدة

والرياح السيارة

وأضم ما ملكت يميني منها

إلى جداريات المعابد البازلتية في قاع دمي

حيث لخطوك وقع الموسيقا الصامتة؛

وكل وقار الخزامى في جبال الأكراد

وانسجام الطبيعة في لحظة عبقرية..

لخطوك إيماءة الغزالة العاشقة وتفتح الأعشاب البرية

لخطوك رومانتيكية الأمجاد العظيمة

و قوت انبثاق المطر من غيمة جرداء في لحظة رغبة

 

لم أتصور أن العالم جميل كل هذا

قبل أن تصيبني ضربة شمسك الحاسمة

ربما في غفلة منك

كما أني لم أفترض كل هذا المقدار العظيم

من الثراء قبل أن ألمح شفافية إبطيك

على بعد ثلاثة أمتار من فنجان قهوة أعدتها لي يداك

أنا الذي لم أستطع يوماً أن أفرق بين اليأس والحلم

أو بين الحروب القائمة على ضفة الأغاني؛

والقبلات القادمة إلى كأس شفتين

استطعت اليوم بكل بسالة

أن أقع في ظلال خطواتك الغزالية

وأن أسمع – و كأنه لأول مرة في عمري –

ايقاع طيوفك البلورية على صدر هذا العالم

 

لئن كنت كائنة بحرية منذ أن أصبج آرارات جبلاً

ومنذ أن أصبح بلدي صقراً قارياً

يحوم في فضاءات الرعب المقدس

فإنك أشبه ما تكونين بدلفينة المياه العميقة

وإني أستحصل على متعتي القاسية

حين تقفزين أعلى من الموج بأكثر من قامة ملحٍ خفي

و ذكريات غريقة

هيلين

لئن كنت بحرية وشفافة

فإني أتذكر من بعيد الكلمات اليائسة

والجميلة التي قالها لك " شيللي " وهو

يعوم صعوداً وهبوطاً

كاسطول سابع في عرض المياه الآثمة

ربما لا تعرفين تماماً أسرار القدر الأعمى

فأنا الشيطان الأزرق الذي يتربع قرب جفنيك

على شكل أقواس داكنة

كلما انتاب التعب ذاكرتك

 

حين تشير سبابتي

إلى الاتجاه السابع لجغرافية جدواك الخلاق

أكتشف مدينتك السهروردية

صدرك عبق الفل؛

حبق شهوة مفاجئة وانسياب الأشياء النورانية

صدرك رائحة وطن بلا موتى

صدرك ميدان المعارك الضارية

بين أسماك الضوء وأسماء الطبيعة

أكاد أن أحتار من أسماء وجهك الحسنى

وإني لأختار تماماً

الأشد فتكاً بزهو الفراشات

أختار يا هيلين " الفتنة " لأداء فريضتي الشيقة التي

تستدعي ملذات الأساطير المجنونة على مائدة ضلوعي المكسرة

وسفوح الرغبات المنفلتة

من عقال البجعات البيض

والجراح المقدسة لأمم تباد بالحماقة

أيضاً لأداء فريضتي الشيقة كناسك صغير

والتي تستدعي أجنحة الكائنات الخرافية؛

كي أمتطيها بعيداً عن الجواري

عامداً متعمداً

أقصد صهيل عرييك المتفجر

عبر ملكوت السموات والأرض

 

يمكنك الافتراض تماماً

بأني طفلك الذي في غفلة من القدر

خرج من رحمك الجبار دون أن يعرف أحد سلالته

وأشبه ما يكون بسراب؛

ودون أن يتسبب لك بآلام طلق بائسة

أو أني رجل ضوئي ابتكرته القوى الخفية؛

ساعة غرق رجل يدعى " يوسف " ومعه

عاشقة تدعى " القديسة زليخة "

كما يمكنك الافتراض أيضاً

بأني رجل يبلغ من العمر عشقاً غامضاً؛

يعود تاريخه إلى شتائك الخامس عشر حتى

ربيعك الخامس عشر بعد الألف

يمكنك افتراض ما لا يفترض

فأنا البري الشرير الذي يحمل قصيدته في يمناه؛

دون أن يدري أنه في يده الأخرى يحمل موته

و هو يجتاز غبار الصحارى البعيدة

يمكنك افتراض ما لا يفترض

فأنا الرجل المباغت الذي لم يأبه كثيراً بحكمة الفيزياء

أجيئك

لأحظى بشعلة النار المقدسة

من خصبك الإلهي المبارك

و أطوف ممالك الدنيا

أدعو الناس جميعاً إلى الحرية الكبرى في تظاهرة أولمبية

كأنما عرس الآلهة الجبارة

 

حلب؛ أيار 1993


 

الرجل الغريب

 

أنا الرجل الغريب

أعض لساني

أغني نشيد عمري؛ والنشيد الوطني لإنشادك

أنا كفن أغطي جثة متحركة

وأعلن بياضي كثلج قابل للهبوط إلى المنحدرات

أبتكر حبك في طريقي

بأن يتسع مجراك العظيم لأقدامي العارية

أنا الرجل الغريب

في هذا المنتصف الضيق من الليل

أبتكر حبك؛ بأن يتسع مجراي ليديك المديدتين – إن شئت –

إلى آخر حدودي

أنا من يؤنسه هيجان الفصول وقهر الخريف

أوخز مؤخرة أيامي بعصا الأنبياء

كلما هبت العصافير من أعشاش الفرح

أوخز كلماتي؛ كلما هب دمي من نزيفه

أقصد كلما هب لحبك

 

أتعرفين

أن أيامي تكون جميلة

حين توازي إطلالتك الخاطفة؟

وأن نهراً مهجوراً بكامل رمله

يستطيع أن يحكي تاريخ أمة؛ ويستطيع أيضاً

أن يصب في ارتباك رجل غريب

و يصنع " بحيرة البجع " في قلبه؟

إنها أشياء متناهية في الصغر

حين أسير إلى العطش قرب نهر طويل

إنها أشياء متناهية في الألم

أنا الرجل الغريب

سأقول للصمت اللطيف لزغب إبطيك

كنت شوكياً أو ممزوجاً بالدبابيس

حين تناهبتني لعنات القوم

وحاصرتني حقول ألغام زرعتها فئران الكلمات والقبائل

فضقت ذرعاً

هربت أحمل خطواتي وطفولتي الرجيمة

انتفاض فتوتي

تقلص العظم في جسدي

هربت؛ لأعلن انتصار ديوك الظلام وأشباح النهار

- يا لسواد وجهي -

وأعلن مهزلة الدنيا

عمان 1993


 

 

ذكريات الزمن.. حالات المكان

 

لقبضة ريح

وحصاد يؤرق الليالي

كانت الكلمات تنشىء لغتها

والرجال ينشئون مناجلهم الرخوة

الحصادون تماماً

أطلقوا العزم على النسيان

فكانت السنابل تتابع انحناءاتها

تناثر الحب ونورج الموسيقا

أطلقت الريح عاصفتها

و الكلمات عاصمتها

فكانت مدينة الصمت

" الصمت " أيتها المدينة

لكنه أيضاً

الجانب الآخر

الحرية الأخرى؛ الوطن الآخر؛ النساء الاخريات

الدنيا الأخرى والسادة الآخرون

و كذلك

المسائل الأخرى؛ ظلال النجوم؛ هيولى الحيوانات المنوية

و الأعناق الطويلة كصواريخ جائعة

تريد أن تعبر القارات

المنجمون ومفسروا الأحلام

قراء الفناجين والجرائد

أفول الرغبات إلى أصغر حالة ممكنة

شموخ الخواء كمسلة فرعونية

هبوط القصيدة

كطيار يكتشف خللاً في المحركات بصورة مفاجئة

كذلك يكون الأمر

حين تعود العصافير من المساءات

خائبة المناقير

فارغة العش

والبحر يعود إلى شاطئه

منكسر الموج

عالي الهمة والزبد

تعود القصائد إلى أصدقائها

بكل ما تملك من ياسمين

أو من حصيلة دمي في الانخراط بالرغبات

لفمك الممتلىء بالصمت؛ وجيوبك المحشوة بالوعود

لعويل الغبار؛ وهدير محركات الأزهار الصناعية

تخرج القصائد من جلدها

حزينة بآلام السلخ؛ فرحة بأمجادها المحجوبة

دون أن تطلق استغاثة؛ أو ضحكة دون سبب

 

حلب 1991


 

إليها كما تجلت

 

حين في الشارع تماماً

تطلقين شعرك لبرد الخريف

وأصابعك ليدي الهائجة

تدور على الباغي الدوائر والموبقات

وأنا أودع في صدرك آخر ما تبقى في كفي

من زهرات الياسمين

وحين يتبعنا غبار الطرقات

وكذلك صفير الريح وعيون المارة

وكما يلتهم ذئب جائع فريسة مشاكسة

أكون قد التهمت نبض أصابعك

الصفصافية في يدي

كما نارك تلتهم أحراش الياسمين

الهشيم على تخوم صدرك المدجج

بهاوية الشهوات والأزمنة

 

حلب 1992


 

سفر

 

أسافر مع وجهك

أينما حملتني الريح بيديها العاتيتين

أسافر مع وجهك الملائكي

أينما مضت السفن والمنامات

أسافر مع وجهك الملائكي الشبق

أينما رحلت في فراديس خصبك المغمور بحزن جميل

أسافر مع خصلاتك المكتظة بظلال أصابعي المرهقة

أينما ألقت الأقمار والشموس بساطها

أسافر مع قدك الطيفي وشهوات نارك الخفية

أينما ألقت الأشجار ظلالها

ومع موسيقا شفتيك

أسافر

وأستقل قطارات تعبي

 

حلب 1992


 

 

ملاحظات حول ما يسمى القلب

 

زمني ينزف

وأصابعي لم تخدشه

القمر ينزف

كأن وحشاً عضه في خده

أنا في حالة خطرة

أصابعي تنزف

كأني كسرت جرة الزمان الزجاجية

 

كطير جائع أتأهب إلى الدنيا

و بشكل مفترس

أستعد للوثوب إليك

 

أختبىء في شمس لا ظل لها

أطير إليك عارياً

أفر إليك من هذا الصقيع الممتد

إلى ناحية الأرض

أزحف إليك

بكامل رجولتي وذعري

 

بفم مكبل أحدثك

عن الحب و الزنازين

وعن محتوى عينيك

وبيدين مكبلتين

أناديك تعالي

 

هنا قلبي يتفصد

قطعان الأشباح

تعلن هزيمتي

 

و لكن ماذا أفعل

إذا كان هذا القلب

يلعب معي لعبة الفأر والقطة؟

حلب 1992


 

 

موت الأشجار

 

... كذلك بالنسبة لقلب مكسور

سيكون من الصعب أن يصبح وطناً حراً

و أيضاً

بالنسبة لخطيئة كبرى

سيكون الأمر مرعباً

حين تتحول إلى رسالة ملائكية

وكذلك

عن حب عظيم

من الصعب أن يصبح صغيراً

حين يمشي على قدمين عاريتين

وكذلك بالنسبة للأشجار

حين تنجب جراثيمها

من الممكن

أن تبني الجراثيم أشجارها

دون أن تنتقم الشمس من ظل بائس!

 

حلب 1989


 

المرأة المحايدة

 

أخيراً

استطاعت أن تقول لي – المرأة المحايدة بعينيها الحزينتين –

استطاعت أن تقول

- و بصوت أبعد ما يكون عن اليأس -

هنا جسدي يتفجر كلمات؛ ونزق مساء مضى

أتعفر في نظراتك المكسورة

كعنق وردة هجرتها الفراشات

نظراتك المتفشية في أنحائي المرتبة على شكل فوضى

كم زمناً سيمر كقافلة عابرة

على وجهك ليتخذ صورة مائية؟

واستطاعت أيضاً أن تقول بفمها المحايد

هي الهيولى أشياء الدنيا

هي السيول كلماتك الساقطة على شعري

كمطر خريفي

 

حلب 1990


 

1993 يتبعه الغاوون

 

لا شك أنك تعرفني

وإن تجاهلت الأمر يا سيدي

أو يا " سيدتي "

وأذكر أننا تقابلنا

كما يتقابل الشيطان مع الشيطان

وأذكر أننا تعارفنا

كما يليق بأناس من القرن العشرين

 

لا شك أنك تعرفني إذاً

لذلك تبقي هاوية الآه بيننا – وأشهد لذكائك هنا –

فالشعراء أخطر من الأوبئة

وكذلك الفقراء؛ ونساء الروايات العظيمة

وأميرات الكروم

كذلك جنيات البحر؛ جميلات الأرض الأسخيلوسية

ربات انشاد سليمان وهن يعبئن الجرار بالخمر وماء

الخطيئة

 

للريح الافقية في شهيق جريح

وحكمة الأوجاع القاسية

للأحلام المربعة والمستطيلة

يتقدم طائر بجناحين كبيرين؛ ممزق

الصوت؛ متعفراً بالغيوم وعري السماء

يحاول ألا يهوي

ما أصعب أن يهوي طائر بجناحين كبيرين

في الوحل يا سيدي

 

و تعرف أيضاً

أن مواسم عكاظ ذاكرتي

وأنك وأدت عشيقاتي الواحدة تلوى الأخرى

وإنني الآن إثم أو وباء

ولو سئلت كأي موؤدة؛ بأي ذنب قتلت

لأجبت

لأني " رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر

يسجدان لي "

 

ومع ذلك

أفتش عن خليفة عادل كي أمدحه

وعن امرأة عادلة تحكم مملكتها بحد الشعر

وحرية الشبق

أفتش عن وطن عادل؛ يعفيني من الجوع والبرد

والموت اليومي؛ ويعفي نفسه من عناء مطاردتي

أنا العبد الفقير على عتبات ثلوج ملحية

لا تعير انتباهاً لبلوغي سن اليأس

من الجواري والغلمان وبيوت الماء والمال

أنا المتأبط ساعتي الرملية في هذا الوقت

الحرج من أزمنة البورصة

وسوق الأسهم الصاعدة

 

ولأنه

ليس لي الأهمية الكافية

كي أعبر عن مشاعري وبلوغي الظلمات الناصعة

أو أطل فارساً مكسور الرمح على نزق امرأة

تحلم بيخت حشبي أو رجل سعيد

لذلك أرجو المعذرة منك

فأنا ابن تلك السلالات القادمة

من قرقعة ضلوع الأميرات الطيبات

الحاملات عناقيد العنب

وعناقيد الغضب عليك

ذلك أنك تركت طائراً بجناحين كبيرين

يسقط في الوحل

كسائر هذي الحشود الآدمية الجرارة

 

عمان 1994


 

خمس دقائق

 

لن أقول سيدتي

أو حبيبتي أو امرأتي

أحاول أن أجردك من الصفات الكئيبة

كي أزاول معك الوقت

وعادة الحب دون صفة؛

أو تباه أمام المرضى

أعرف أنك

ستسامحينني – كعادتك – على أني لا أتقن

دوري في أداء ما تفترضين

وليس لدي الذكاء الكافي؛ لأكشف عن خوارقي

و أستأثر بانهيارك البريء من وطأة المعجزات

ليس لدي الذكاء الكافي

لأخرج من كم قميصي ثعباناً ملوناً

أو من فمي طابات بيضاء كالسحرة

ألا يكفي أني أراهن على عبقرية شهواتك

كي تكشف لك

كيف أني مليء ببثور كحلية تدل على ملامحي

وتعطيك الموجز عن معناي الرجيم

أعرف أن البثور تدعوك إلى الغثيان

وأن قلبي ليس بمستوى افتراضك المضيء

ولكن ما ذنبي أنا

إذا كان واجب الحرية يدعوني إلى حبك؟

لا أستطيع أن أقنعك بهذا

ليست لدي مؤهلات الحب

– إن كان الحب وظيفة –

قد تقول لجنة ما – أقصد لجنتك –

أنه غير لائق؛ أو عديم الأهمية

ولكن.. بربك

متى كان لمثلنا أهمية؟

وأكرر..

وجهي حقل البثور الموجعة

وأعلم أنك تشعرين بالغثيان من هذا

ولكن من أين لي الحرية الكافية

كي أقشر بثوري دون أن تدمع عيناي

لا أستطيع أن أقنعك

بأنه ليست لدي الحرية الكافية

في أن أحظى برعاية شفتيك الحكيمتين

قبل وصول الفقهاء إلى حزني

إمنحيني خمس دقائق فقط كي أبرهن لك

أن النزال بيننا لن يكون عادلاً

لأنني بصراحة تامة؛ أطلب منك

القضاء على كل ما يثير فيك من واجبات

المرايا وحقوق الناس

إمنحيني خمس دقائق من اكتئابك المر

كي أعرّفك بنفسي

إمنحيني خمس قارات أخرى؛ ووطناً اضافياً

كي أعدك بأننا سنمارس حبنا

دون خوف أو مجاملة

إمنحيني شيئاً بسيطاً من هيولى ريقك

أو مائك " الزمزمي "

كي أبرهن لك

أن النار اللئيمة تستطيع أن تحرق أوراق

توتك الخضراء

وأن أبرهن أيضاً

أن النار ذاتها

كفت أن تكون برداً وسلاماً لكبار القديسين

وكذلك لك

لك أيضاً

 

عمان 1993


 

حدث في مدينة ما

 

-1-

 

كانت السنة تطل بفصولها الأربعة

حين نحيت عن موقعي في مملكة الأشعار

وكانت الأرض شبه عارية

– كما النسوة على شاطىء بحر الشمال –

كانت الأزقة خرساء أو صاخبة

وكان ضجيج الإنهيارات يتوالى في حركة مبهمة

في جسدي

لم أعلم أن رأسي كان ساحة المعاني

وقد أطيح به متشبثاً بكتفي

دون أن يتدحرج في منحدرات الوديان السحيقة

كصخرة سيزيف

 

-2-

 

وأذكر أني أضعت الكثير من الوقت

والأصدقاء والكلمات:

الوقت الذي سرقني من حبيبتي جهاراً

الأصدقاء الذين قضوا في حروب غير متكافئة

من أجل الحرية مثل اللورد بايرون

والكلمات التي احتمت بملاجىء الخوف

وأسلحة العاطفة 

 

-3-

 

وأذكر أني لم ألحظ طواحين الهواء

وهي تدور وتدور

ولم أر حقول الأزهار والورود على

مختلف ألوانها البرتقالية والبيضاء

لقد خفت من البحر كثيراً

ولم أذهب للسير أو الجلوس على شطآنه

كانت الفروق بين الفصول تتلاشى

وكذلك بين الليل والنهار

كان الربيع – على سبيل المثال- أقل أهمية

رغم حاجة الأرض لذلك

وكانت الريح تكنس ما جادت به الأشجار

كالعادة

كان الحر ثقيلاً على أنفاس العجزة

وكان المطر طويلاً جداً

– حيث قطرة واحدة منه

أطول من أي رجل في العالم –

لم أكن في عطلة رسمية كي يغيب عني

كل ذلك

 

لايدن- هولندا 2003


 

 

 

سحب بودلير

 

السحب الثقيلة

المفمعة برائحة الخراب

السحب المشبعة بالرعب والعزلة

والإبتكار

سحب بودلير التي اكتشفها بعناء شديد

-       مثلما اكتشف كولومبس أمريكا مصادفة -

السحب التي ظهرت ظلالها على الرقم الطينية

للإنسان القديم

وكذلك في صحف إبراهيم و موسى

السحب التي أعرف لونها في الأسئلة الموجعة

أسئلة الوطن والأهل والأصدقاء

السحب..

ما زالت باقية في عنان سمائنا

سحب بودلير اللعينة

 

لايدن 1998


 

 

تعارف

 

إلى هورتوس بوتانيكوس

 

لقد جئتِ إلينا؛ حين عبرنا البوابة المطلّة

على اتساع كل ما هو أخضر

لقد جئتِ إلينا،

حاملة بساتينك البرية في جهات الأرض

ربما لنندهش من عبقريتك!

كيف استطعت أن تزرعي كل هذه

النباتات المختلفة

والأشجار الطويلة كأعناق الزرافات؟

 

نحن يا سيدتي

رجال هدَّهم التعب، ونساء أنهكتهنَّ

تداعيات السيرة الذاتية لنبلاء لم يذكرونا

بأي شيء من الافتخار

لقد جئتِ إلينا

أو جئنا إليك – لا تكلّف بيننا –

نحن أيضاً، لنا تفسيرنا لمعاني الكتب المقدسة

وقصائد الشعراء

نحن أيضاً، لنا طموحنا في مزاولة الحب

وارتياد مقاهي الرصيف والمطاعم الفاخرة

مثلك نحتاج الماء والغذاء والضوء

أرأيت كيف أننا جئنا إليك

كي نرى – إسوة بالآخرين –

عاداتك في العلاقات الحميمة

نحن الذين يفضَّل لنا أن نؤمن بالقدر؟

التاريخ لا يهمنا كثيراً

فنحن قادمون منك

ونستطيع المجيء إليك

وبذلك نواصل رغباتنا في الحب وشيء من الأمان

هل يهمُّك أن تعرفينا؟

نحن أمة أتعبتها كثيراً معاني الأشياء والأحلام

وكذلك رياح البكاء والخوف

الكثيرون قبلنا خاضوا حروباً طاحنة

والكثيرون ما زالوا يبتكرون الحروب

إن ذلك لمؤلم حقاً

ولعلمك نحن أيضاً

لنا نصيبنا من الألم لأننا ننتمي إليك

نحن الذين لا نفرح كثيراً

نجيء إليك لنتعارف ونتبادل أرقام الهواتف

هل لك رقم هاتف خاص؟

نحن أرقام هواتفنا قصائد على جدران المدينة

نمر بها حاملين نصيبنا من التعب

متعبين أو غير متعبين

نروح ونجيء تحت ظلالك الممتدة

على وجه الشمس

نحن رجال ونسوة لا تفرِّق الشمس بيننا وبين سوانا

حين ننفض عن وجوهنا غبار الصمت والهلاك

 

لايدن – 29-3-2004

 


 

بصراحة تامة

 

بصراحة تامة وقبل كل شيء

حين يطلع القمر كزورق فضي

أو كبرتقالة مقشرة

وأيضاً حين لا تطلع الكلمات مني

أي حين أصبح اللسان المقطوع للأشياء المدمرة

بصراحة تامة

حين ترتدين تنورتك الزرقاء

وتصل السماء إلى ركبتيك

وتكونين مغمورة بقميص بنفسجي، والأزرق، والفوضى

وأيضاً مغمورة بشكل عام

تكونين متوجة فيَّ كأميرة، تعبدك كل كائناتي الحرة

 

حلب 1989


 

فتح مبين

 

حين يكون العالم مغلقاً

وليس أمامي إلا الخوف عليك

أفتح نفسي

للبراكين المتفجرة في جسدي

وأحترق

أترك ورائي رماداً وكلمات

و حين أكون مغلقاً و ليس أمامك إلا الخوف عليَّ

أفتح العالم

للثلوج البيضاء، ورايات عينيك

و أناشد صمتك العميق

أناشد وباء الفرح

غنِّ لقبلة غير خائفة!!.

 

حلب 1989


 

فروق

 

ثمة فرق كبير بيني

وبين من يصنع القنابل

فأنا لا أصنع القنابل

ثمة فرق كبير بيني وبين من يشي

بالناس – حيثما تيسّر – لأنهم ليسوا

من أتباع جنرالات الجيش الميت،

أي أنهم لا يسيرون في موكب فرعون

فريد من نوعه

فرعون لا يعرف كيف يبني أهرامات

في صحراء الضحايا

فيبني بدلاً من ذلك

مراحيض من ذهب

ويصنع بنادق من ذهب

أما أنا فأصنع اللغة الأكثر قرباً

إلى هندسة الطبيعة

لأصف بها السجون المخبأة تحت الأرض

السجون المنتظرة لمجيء الحرية

وأدعو الناس إلى الكلمات المنبثقة

من أفواه الجوعى والمعتقلين من أجل الكلمات

ثمة فرق كبير إذاً!.

 

لايدن – 2003


 

قوة النار

 

أخوض غمار الكلمات

سعياً وراء معنى أفضل لمشية

الطيور على سطح الماء

ومعنى أفضل لحبنا يا امرأتي

كيف لي أن أمكث تحت الرماد أطول مما فعلت

أو أطول مما فعلوا بي؟

تمنعني عن ذلك قوة النار التي كان المجوس

يرقصون حولها

أنا الذي اعتدت طويلاً أن أغمر وجهي

بالرائحة الحبقية لحلمتيك، قبل أن أذهب لكتابة قصيدة

اعتدت أيضاً أن أبقي في ذاكرتي

ما يقال عن عناد صخري لشعبي

أخوض غمار الكلمات

وأنا أعرف أنني

حين كنت أسير في الشوارع، ملطخاً

بالتعب والأوحال

كان الناس يتجنبونني وكأنني وباء

لم يكن أحد يجلس إلى طاولتي في المقهى

ولا إلى جانبي في الحافلة

لم يكن أحد يطيق رؤية منظري الرث

من البعيد، كان الناس يأتون إليّ، بينهم

الكثير من الموتى، يأمرونني بالمعروف حيناً

وبالمنكر حيناً آخر

ثمة أقوام تعد كل شمس تشرق، شمسها

وتعد كل من يعتلي العرش ملكها

وذلك دون أن تخاف الله إلا في السر

أخوض غمار الكلمات

وأنا أنفض آثار الانهيارات الطينية

عن جسدي

أليس الجسد من طين كما يقول الأنبياء؟

وأعرف أن اللغة أغلقت أبوابها دوني

مثل العديد من الأصدقاء

كنت أظن أن أبواب اللغة والأصدقاء

مفتوحة لي دونما موعد مسبق!

أنا الأكثر جنوحاً نحو الحزن والاحتجاج

فرح بما آلت إليه أموري مع الحرية

وبما أني لست النبي سليمان كي

أخاطب الطيور والنوارس

لذلك فإن أرجح الظن أن كلماتي

لن تمتطي بساط الريح إلى بلاد

تمنع لغتي من التداول

 

لايدن – 2003


 

الموظفون الأصدقاء

 

إلى دي فونك *

 

سُرقتُ من البيت مرتين

مرة على يد الجلادين، عنوةً

ومرة على يد أصدقاء موظفين، بسهولة

 

الجلادون سرقوني من البيت، لأني

كنت أحب البيت والكتب والناس

و الأصدقاء الموظفون سرقوني من البيت

كي أنسى حكاية الجلادين

وعند انتهاء الدوام الرسمي

لم يتعرف أحد عليّ – ربما لأنهم كانوا موظفين فقط

ولم يكونوا يوماً أصدقاء –

حين كان الجلادون والسفلة يتنكرون في هيئة

مصباح كهربائي، أو ينتشرون في عتمة

الليل على السرير، وفي الأزقة

بسيوفهم الحادة ودباباتهم الكبيرة الحجم

لم يأت أحد من الأصدقاء المذكورين لنجدتي

أَََوَ ليس الواجب أن ينصر الصديق

صديقه عند الحاجة؟

كانت الأشياء تتوالد مني بغزارة

وكذلك الأقارب والمرضى وضحايا المعتقلات

كالجيوش الجرارة

كانت تختبىء في ثيابي، الخارجية منها والداخلية

ومن ثم تقتحم جسدي

وفي لحظة ما، وجدت الأشياء ذاتها

تتوالد من حبيبتي النظيفة تماماً كقصيدة نبيلة

- عليكم أن تحكموا بأنفسكم على مجرى الأمور

في هكذا معركة –

وكما تعلمون فإني لست نبياً كي يرسل الله

جنده مناصرين لي

 

لايدن- 2003

 

* دي فونك: أحد المصحات النفسية القريبة من مدينة لايدن الهولندية


 

أول أيام السنة

 

حين الأيام تبتكر أشياءها

والشمس عنب الصباح

تبتدئين زحفك الخفي اليّ

حين لا يكون على الشجر سوى العصافير

وفي الأرض سوى الخير والشر

تكونين شريرة للغاية

ونصير الوجه الجميل للمطر

وحين تكون المدن أزقة موحلة

وأرصفة مكتظة بالأشباح

تصبحين الشتاء الجريح لوطن يتألم

وفي ساعة ما

تكونين العالم وأشياءه

يضعك القمر، و يقتلك أشباهه

وتدخلين الدنيا بكل ما تحملينه

من عبء الندى على العصافير

 

حلب 1988


 

 

الغزو

 

أغزوك حلماً، وعداً، ضياعاً وتعاسة

أصير آخر من تصّلين له صلاتك الأخيرة

بكثافة أنتشر فيك

وأمطر رأسك بأوهام جميلة

ومجد من ضباب

بحماس قل نظيره

أنظر إليك

شاحبة أو متسعة تكونين، وذلك

حين أفتح لك أول صفحة من سيرة العمر

وحين أيامي تسقط بينك وبين الشجر

 

حلب 1988


 

 

قبلات لنا وصباح للبلاد

 

ردي عليّ السلام والقبلة والجنون

على شرفة المساءات الغائمة

وعلى شرفات وجهك

على المعاني الغامقة لشفتيك ردي

وأدعوك تعالي ننظر إلى القمر

ونمسح عنا غبار الطرقات بعد ركض طويل

لأنني بعد يوم

أو وردة أو وطن

سأملأ شاحنات الرحيل بالمطر والهجرات

وأشحن القبلات إليك مع كل ضجة للغيوم

والبروق والسفر

ردي، فحين يشرق وجهك بفم ملتهب

و تندلع الفراشات من يديك الناصعتين

كالأغاني

و يرتجف نهدك الساخن قرب يدي – حلماً أو حقيقة –

أقول في عبي – و أنا أقصد أن أقول لك –

أعطني فمك الملتهب لأحرق شفتي

وألقي رمادي بين عيون العالم

ردّي عليّ الأشياء وروداً عارية

وسماء تسقط عليك قبتها بالأزرق

فأنا على أرائك العمر

لا أنتظر سوى فراشة تشبه نزقاً حراً

ووجدان قصيدة

وعلى تقاطع الشوارع والكلمات

أنتظرك

صباح الجحيم أيتها البلاد

هكذا يقول المتسكعون في الأزقة

صباح حبنا الخائف أيها الناس

هكذا تقول الطيور المجنونة، وأيضاً هكذا

تصمتين كالموسيقا الصافية

تضحكين بعينين متسائلتين

ولكن...

سأدفع مهرك قلباً وقصائد

وإسوارة من قوس قزح

 

حلب 1988


 

بِمَ أتفاءل؟

 

أيها الوهم العظيم، حين كنت في قاعات حلمي

تصطاد العصافير كنت شجاعاً وانتصر

وبعد أن قبضت عليك ذات موت خاص

أيها الشيطان اللذيذ، وجدتني ويا للمصيبة

مهزوماً شريراً...

 

بعد حروب شديدة على الورق

وآلام مبرحة في ظهر القصيدة

آخرون يفتشون عن القتلة بين زنادهم

وآخرون يفتشون عني بين خوفهم

ولكي أخرج من مدارات خوفي

عليّ أن أعشق امرأة لا تجيد صناعة المطر

نقتسم الأشياء بشهوة

 

شهوتي تقسمت بين فكي الوطن

و انتصف مثل شهر بائس

أول نصفي قمر بردان أغطيه بالتعب

والرغبات

والآخر أمر عسير

هكذا إسراء توجسي قرب

جدار المهزلة

وقرب انهيار الحرية أمام الخوف كنمر جائع

وهكذا أمام ادعاءات ليست إلا!

وأمام قصيدة ليست إلا!!

 

حلب 1988


 

 

دبكة

 

أراك تماماً

ترقصين وفي يديك أزهار الياسمين

في يديك أساور ارتباك وقلق

ترقصين، وفي سفوح صدرك ضباب خوف

واشمئزاز فضي

وبعض الشيء، تبالين بالوقت وشهوة غامضة

وأرى تماماً

ممثلين هزيلين على الخشبة

وأنت تفضلين الموسيقا الصامتة

والأغاني الشعبية الأكثر حزناً

وكذلك الحب الصامت

وأرى تماماً

كيف أن الأقدام تعبت، والنسوة والآخرون جميعاً

وكذلك الشهوات العابرة

والأعناق العامرة بالمزايدات الثقيلة

تعبت القلوب المتورمة بخطاياها

لكن شيئاً " غامضاً " لم يتعب

شيئاً " طائرياً " ، خفيفاً " متيناً " تماماً !

وتسألين: من أين لك هذا الياسمين؟

أقول: وحق الله إنه ليديك

أيمكنك الافتراض أني لا أستطيع أن أقطف لك

حتى باقة ياسمين

وأنا الذي أعرف تماماً، أن الأشجار بكامل تربتها

تستعير سرها منك

وتستعير منك الرسالات الكبيرة نفحتها الخلاقة

وأعرف تماماً

أن الأسرار تستعير من عينيك قوتها العظمى

ومن اتقادك الرباني تقيم الأقدار دولتها العظمى

والأمم مجدها العظيم

ويمكنك أن تتذكري...

كيف أن القبائل والأصدقاء قد رحلوا

والكوارث مازالت تمطر، وأنا جدار طيني

لم يشيده البدو في أي صحراء من بلاد العرب

ويمكنك أن تتذكري

أنه لم يبق إلا الطريق إلى " هكاري "

والتقرير إلى " هكاري "

ولم يبقَ إلا هذا الياسمين الأبيض تماماً

وأعلم أنه يستعير رائحته المكشوفة منك

ولكني

سأتابع المديح هنا

وأتابع غموض سرك كوطن مستقل

وغموض حبي كما لم تذكره الروايات العظيمة

وأقول

إننا لا نملك حكمة الأشجار الأكثر حنكة

حين تكشف عن عريها فصلاً كاملاً أو فصلين متتاليين

لذلك نلجأ إلى الخوف، وإلى مسيرة ألف ميل

كي ندخل سرير العالم

إذ أننا نريد أن نرى أحلاماً نرويها كحكايات

جميلة مع سيجارة وفنجان قهوة في الصباح!!

 

حلب 1988


 

 

خريف كامل

 

أما آن أن تفتحي بابك الموصد

أمام وجهي المكسور؟

لقد مضى وقت سقوط الأوراق من الشجر

وما زالت ذراعك بندقية صدئة

في وجه الخفافيش

وأضيف إلى علمك

أني تعريت بمناسبة ودون مناسبة

لذلك لا أستطيع أن أعبر عن حزني بقماش أسود

وأضيف

باعتبارك مغلقة تماماً

فلا علم لك بالثلج الذي ينتقم من قلبي

وبالرحى التي تطحن عظامي ملحاً لمقبلات

" مقصف ماري "

أما آن أن تفتحي بابك؟

لقد مضى زمن طويل على وقوفي هنا

تحت الثلج والمطاحن

تحت خيمة الخبز للجياع

والمطاحن للحنطة

لقد جاء الخريف

إنها الريح سيدتي

تحملني كالغبار وأشياء الفصول

لا حاجة بنا إلى النسيان، كي نتذكر أننا نذوي

فقد مضى الخريف علينا

ألا يكفي خريف كامل لموتنا؟

ليكن إذأً، ويتوجب ذلك

-       كما الحالة بالنسبة لقبر فارغ –

أن ننتظر حفاري القبور، باشمئزاز كبير

أو ننتظر جثة رائجة في سوق عفرين

ليكن إذاً، ويتوجب ذلك

- كما الحالة بالنسبة لأي وجه مكسور -

أن أبقى مطأطئاً مع قطيع القبلات في فمي

ومع ذلك

أنا هنا، أمام بابك الموصد، أعض لساني

وأقضم الحروف الواقفة على قدميها

والحروب الواقفة على لثتي


 

 

سباق الخيل والليل

 

لا أريد أن أبكيك أيتها البلاد

لأنك لست ميُتة

وأهلك ليسوا موتى

لكن،

ثمة غصة في حلقي

غصة لجوجة تشبه مرارة البكاء

أريد أن أنادي على كل شيء فيك

ولأن الأمر مستحيل – إذ فيك ما هب ودب –

لذلك، أوجز المسألة،  وأبدأ بما هو متعارف عليه

أنادي طيور الماء

لأن سواقيك على وشك الجفاف

وأقول: لا تحزني إنهم الناس شربوها دون رحمة

وسوف لن يتركوا لك شيئاً

أنادي الحجارة المخبأة وأقول:

هكذا إذاً، سرقوك قطعة قطعة

وها هي أسوار شاهقة تفصل الذين

يقتلون والذين لا يقتلون

 

أنادي الأقفاص بكل أنواعها

الصدرية، الحديدية، الذهبية

وأقفاص الاتهام

لقد اعتادك الناس إلى أن كرهوا الحرية

وأيقن السادة ذلك واستراحوا

 

أتحدث إلى زنوج الغابات الضارية

وبقايا الهنود الحمر

أتحدث إلى من نجا من مذابح الأرمن

أتحدث إلى الأكراد " حساد الأقوام "

الذين يرقصون أو يموتون

أتحدث إلى الأعراب، الذين هم " أشد كفراً ونفاقاً "

أتحدث إلى الجميع وأقول: نحن متعبون هنا

أنادي النساء وأقول:

ياأيتها النساء الطيبات،

الجميلات دائماً، كما كانت البلاد يوماً ما

أناديكن فرادى، فرادى وأقول:

يا أيتها العذراء الأبدية،

تعالي نذهب لزيارة الأصدقاء في السجون

وزيارة الذين خرجوا منها هنا وهناك

إنهم أصدقاؤنا يا سيدتي

أولئك الذين يحبون الكلمات والخبز والممارسة الجنسية

إنها حقوق الانسان التي و كأنما شر لا بد منه

في طريق الخروج من مدن الخوف

هبيني بعضاً من تقواك وفجورك

أيتها الضالعة في صياغة حق الكلام عند سلطان جائر

يا ابنة آمر جيوش البلية

نبيلة أنت كما أرادك الشعراء

عاشقة كما يحق لأي امرأة

دعيني أحتسي فنجان قهوة معك

وأمضي إلى حيثما يهطل مطر على رؤوس الأشهاد

كمعجزة تذهب الصداع والفقر والمخبرين.

 

لايدن 2005


 

 

 

 " حليب بقرة ليس إلا "

 

لا أعرف لماذا أصبحت بقرة حلوبا

وأهلي لا يمتون الى الهندوس بصلة

وكذلك أصدقائي

كل يحمل إناءه ويأتي إليك

وحين يأتي دوري، لا يتبقى إلا الروث

لأن ضراعك تجف كلما مددت يدي إليها

ماذا أفعل، ليس لي نصيب في حليبك

كما يبدو؟

القاصي يأتيك

وكذلك الداني

وأنا، أشتهي – مجرد شهوة – حليبك اللذيذ

 

تندلع حروب

وتنطفئ أخرى

وكل يملؤ إناءه

وأنا أبحث لك عن العشب والبرسيم

في حقول العالم

وكلما فكرت بحليبك رأيت الطريق الى ضرعك

مليئاً بالروث والمزادات

يخترع القادمون منك كلاماً ميسراً عن آلام

أقرب ما تكون لآلام المسيح

ويخترع القادمون إليك كلاماً

عن حب التراب والطفولة

 

أنت أجمل وأغرب بقرة عرفتها

فحليبك يملي المزيد على شاربه

لا أحد يرتوي

كلهم عطشى ويزدادون ذلك

في الموقف ألم وعبرة

وتجليات القوم دون مواربة

ومن علاماتك الفارقة

أنك تلدين عجولاً تخور عند مرابضها مقتنعة

أنها ثيران لا تضاهى

وتحبين معاشرة ثيران

لا تشبه ثيران اسبانيا بشيء

حين يجف ضرعك

ولا يعود هناك من حليب

وتعودين الى عصور التعب

ستبقين معي

وسأحمل معناك في البحث عن حقول مكتظة

بذكريات الجنود المجهولين في حروبك المضنية

وسأقول لك:

أحبك بحليب وبلا حليب

سأزيح روثك عن طريقي الى الحنين اللجوج

في رسم تفاصيل جسمك على شكل خارطة

يتربص بها أعداء القصائد المغمورة

 

لايدن 2-6-2006

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رسائل الى يوسف الخال

 

" الأرض كانت قاحلة والسماء كانت بعيدة "

مثل شعبي كردي

 

 


 

قبل غياب الهلاك

 

 

" ولكن ألا يمد انسان يده من

تحت الأنقاض؟ أو لا يستغيث في بليته؟ "

العهد القديم - كتاب أيوب

 

إنك أقرب ما تكون إلى الدخول في متاهات قانون الطبيعة

كمن يريد الشر تماماً، والخروج عنها كمن يفعل الخير أبداً

أنا الشاهد يا سيدي في محاكم النحل المباد بالمبيدات

والممالك وفي القاعة السابعة للجحيم البارد

سأقول هنا الحرية لن تنتهي الآن

الحرية لم تبدأ طقوسها الباخوسية بعد

لست قادماً من أمجاد الميديين

اولئك الذين ابتكروا النار الأكثر توهجاً على القمم الجبارة

وإن كنت لا أخفي زهوي المبطن بما أقاموه هنا أو هناك

كما أني لا أتوقع أن أكون أشد نزيفاً في هذه الصفحات

من الهنود الحمر وأصواتهم الأشد قرباً إلى حركة الأنهار العذبة

وهدير الشلالات العنيفة والواثقة

التي كأنما هي في عجلة من أمرها

والتي كأنما يتفصد لها قلب الطبيعة بأنين كبير

على شكل استعادة للصدى المستغيث

مثلما لا أستطيع أن أكون أكثر صلابة من عصيانات الأكراد

الذين شيدوا جبالهم بدقة بالغة

تفوق عبقرية كل المعماريين الكبار الذين جاؤوا فيما بعد

بمن فيهم مايكل أنجلو الذي لا بد وأنك رأيته يوماً ممدداً

كتابوت آثم أو خطيئة مقدسة تحت سقف " السيكستين "

ربما لأنهم - أقصد الذين ابتكروا الجبال والغزلان البرية والخناجر -

كتبوا مجدهم الخاص بأبجدية مبتكرة تماماً

هي خلاصة التجريبية الفطرية للحياة

وإن كانت بلغة أكثر حدة أو شفافية تطمح إلى عذوبة أغانيهم الشعبية

التي لم تندرج بعد في سياق المآثر الجمة للأوبريتات الحزينة

كما الحال بالنسبة إلى الفروسية الطموحة لتراجيديا الأرمن

التي تملي عليّ واجب إطلاق إحدى وعشرين تحية

لذكرى الجموع الهائجة في قلب صديقنا الشاعر يغيجيه تشارنيتس

الذي ذهب دون أن يودعنا ودون أن يختتم نشيده الدامي

كما أني لا أريد أن أتفق مع هيرودوتس فيما أقامه من تعارض

بين العالم الهمجي الذي قصد به " المصريين. الميديين. الفرس"

والعالم الحضاري " الإغريق "

وأقول إنني لا أتفق رغم اتفاقي مع سان جون بيرس في ندائه

" لا لأي من الشواطئ يهدى، لا لأي من الصفحات يباح الطعام النقي

لهذا النشيد

آخرون يمسكون في المعابد ببوق المذابح الملون

مجدي على الرمال! مجدي على الرمال

وعلى جميع الشواطئ الرملية في هذا العالم

قصيدة أكثر شراسة تتغذى من كياني...."

أنا الشاهد يا سيدي

لا أقصد الشاهدة لأني لن أكون رخامة تحمل تاريخ شرك المكسور

وفضيلتك المنحنية

كما أني لست شهيداً لذلك لاتستطيع أن تردد في طبلة أذني

بأني " حي يرزق "

ربما تقول هذه ايديولوجيا، وسيكون في الأمر فضيحة وعار

أنا القرد العاري الذي جاءك ذات صباح من المدن الأولى

وجعلك تتمادى في المياه المالحة دون أن تعلم

بأن مدن الملح جاءتني بكامل رملها

هل تستطيع أن تتصور المدن الأخيرة يا سيدي؟

إني أتصور عبد الرحمن منيف يحفر نفقاً يشبه قبور الفراعنة

يخبئ القمح والعسل البري

أتشم رائحة الأزهار المرة كيف تفوح؟

إنه القمح سوف يبعث بكامل سنابله وانحناءاته

إنها المدن التي لن تنتهي

لا علاقة لهذا بحكاية اليأس أبداً

أخيراً وليس آخراً

لقد أدمنت الشك يا سيدي، وأشك أنك تسر لأخباري

تجاهل الأمر إذاً

وكن كمن يجهل تماماً أبجدية اللغات غير المنقرضة

ولأن الذين يعلمون ولا يعلمون لا يستوون في الكارثة

لذلك ستكون قد برأت ذمتك من تعاسة الفقهاء

إنك لم تكن سعيداً يا سيدي، لذلك لن تسر أبداً

إذا سمعت بأنني كلما قررت شيئاً أجد نفسي فاعلاً عكسه

كالذين يتبعهم الغاوون

لا أستطيع أن أجزم بأنني إذا كنت أريد الشر فسأفعل الخير حتماً

.. لست أدري...؟؟.

سيأتي الصليبيون من الشرق

لا أقصد تماماً شرق الجغرافيا

فيمكنهم المجيء من شرق الهلاك والسياسة

ومن شرق الانطفاءات الكاسحة

التي حدثت أثناء غيابك الوجيز عن مسرح العبث

هنا أخاف من الأذكياء يا سيدي، أو قل أنني لا أحبهم

مثلما هم لم يكونوا أعداءك كثيراً

ولا بد من التنويه إلى أنني هنا أردتك أن تكون

مستبداً ومتنوراً في الآن ذاته

كي أتجرأ على الوقوف إلى جانب المرحوم " أرنست هوفمان "*

في ازدواجيته المرة حين يتساءل،

" قل لي، من هذا الشبح الميت الذي يحملق في عيني لساعات طويلة

كل مساء، ثم يختفي دون ضوضاء؟ "

ثم يجيب بهدوء جريح، ولعل الإجابة هي " الآخر "

- لا أقول الجحيم – أقصد الآخر تماماً

بكل ما في الكلمة من معنى أو خراب

" يتكرر في حياتي شيء على نفس المنوال

إذ يحدث دائماً ما لا أتوقعه شراً كان أم خيراً

وأراني مرغماً باستمرار على إتيان ما ينافي طبيعتي الدفينة "

ولا بد من أن أعترف بنقيصتي هنا وأقول

إنها خطيئة كبرى تتماثل مع كل الجرائم المشروعة في نواميس المغفلين

فأنا لم أستحضر يوماً الصور المذهلة للأشباح الجوالة في حقول الصمت

بما ينطوي ذلك على كل أهوال الموقف

مثلما لم أستطع أن أستحضر يوماً أرواح الشياطين

التي أشعلت الحرائق الكبرى، وأقامت المذابح المفزعة

والحروب العنيفة، ضدك أو ضدي...

أعتقد أنك كنت ستتفق معي على أن النسيان

مزحة ثقيلة من مزحات الذاكرة

وبالأخص إذا كانت هذه الأخيرة غير آثمة

ولكن من يجرؤ على استعمال الذاكرة بشكل مستمر

سوى " أوديسيوس " الذي توقف عن الإبحار

أي عن الذاكرة حالما وجد " بنلوب " متهالكة عند نولها القدري

كأنما ترثي لإنتظارها الذي طال كثيراً دون أن يفلح في إطفاء

جذوة التوق اللاهف وجاذبية السراب حين لا يكون مرئياً

سيدي الكريم...

لم أشأ أن أحاكي ذكاء ضفدعة رابضة في قعر بئر مهجور

ولم تتمكن من رؤية الزرقة الشاسعة إلا بمقدار ما ظهرت لها

كدائرة صغيرة محيطها فوهة البئر المذكورة

فضربت بذلك المثال على وجه من وجوه الدنيا والناس

التي غامت كثيراً بسبب أو دون سبب...

وليس في هذا إعلاء من شأني أو شأنك

أرجوك أن تفهمني

 

* ارنست هوفمان


 

 

الرسالة الأولى:   

قضايا شخصية

 

هنا تغيب العدسات، وتحضر العيون الفارغة

سأعيد قراءة المساء، وأختبر قدرتي على التمييز بين الأشياء

بين الأرض والسماء... بين الحرب والسلام

بين نارين وحشيتين... نارين ساطعتين

وأكتشف أسباب موتي يا سيدي

يجب أن تحكم علينا بالإعدام

كي أرى بأم عيني مكانتي بين الموتى

وبأخت عيني مكانتي بين القبور الحية

يجب أن تكسر جمجمتي

ليسيل ما كتبته خلال عشرين عاماً في لحظة باردة

يا سيدي حكايتي مرة كحقيقة منبوذة

رسالتي ممزقة كنبي منبوذ

استغفر رب السموات والأرض - فهو لم يتوجني نبياً بعد -

لقد توجتني رسالتي الممزقة وقطع لحمي الصغيرة

حكايتي طويلة كالدودة الشريطية

فكلما اقتربت من الأشياء، مدت لي لسانها شامتة من حماقتي الذاهلة

وكلما ابتعدت عن نفسي، سحبت علي سكينها

وألقت برأسي في قمامة الكلمات

حكايتي يا سيدي منبوذة، كما قلت لك

صلعاء كمؤخرة الغوريللا

فأنا لا أستطيع أن أبتعد، ولا أن أقترب كما ذكرت

هنا غرفة ضيقة. سماء ضيقة

وبشكل أكثر وضوحاً

أنا من غرفة ضيقة مثل حذاء صغير على قدمي

أو مثل عالم كبير لا يعير موتي أدنى اهتمام وكذلك أعلى اهتمام

غرفة ضيقة أردد فيها ما تعلمته من الشارع

من سوق النحاسين ومن سوق النخاسين

إن يوسف الخال كان رجعياً

وقلت هو كذلك حيث أرجعني إلى بؤسي

لقد تجاهلني جداً عندما لم يترك لي حقلاً صغيراً

- على الأقل- أزرعه بؤساً

ياسيدي

أو بشكل أوضح يا سيد الأشياء كلها

سيد أفلام السينما ومخازن الحمص

سيد النباتات والحشرات، الأحياء والأموات

غرفة ضيقة وأنا، غرفة ليست لي

- حيث لا يحق لي أن تضمني أربعة جدران تستر فضيحتي -

سيدي. حكايتي ليست هنا

حكايتي تبدأ من هناك، فهي عريضة كجبهة الثور

تبدأ من حيث لا تبدأ الأشياء، ومن حيث لا شيء ينتهي..

على أي حال، سأعيد قراءة هذا المساء

فهذا المساء يجب أن أختنق

أو على الأقل يجب أن أذهب إلى القبر

ليصبح غيابي فيلماً هندياً يبتز دموع أصدقائي الحجرية

ولأنه ليس بين يدي قفص - أي قفص كان -

لأمارس ساديتي على قرد تورط معنا في مزحة ثقيلة

فيجب أن أذهب إلى المساء

لأملأ مناخيري " شحواراً " ورعباً أخرس

يجب أن أذهب إلى المغسلة لأنظف يدي القذرتين

مثلما نظف وطني دماغي من الأشياء الضارة - على سبيل المثال -

ومثلما أهل بلدي يصادرون مني حبيبتي

يجب أن أصادر عليهم موتهم

يجب ألا يموتوا أبداً

يجب أن تمنعهم من الموت يا سيدي

وبالمناسبة أيضاً

يجب أن أذهب إلى المرحاض لأطرح آخر ما تبقى مني نظيفاً.

فأنا - وربما لأنني مازوشي –

لا أحب الأشياء القذرة في الأشياء النظيفة

والعكس بالعكس

يا سيدي، هنا تذكرت

تذكر أنت أيضاً، كن معي

تذكر أنني لا أنسى، وهنا أجد نفسي أمام مشكلة عويصة

خاصة إذا أخذنا باليقين القاطع لذمتنا أو الكلام القاطع لأمتنا

أن الانسان من النسيان

فهنا تكون إنسانيتي موضع شك كبير بشكل تلقائي

ولكني مع ذلك لا أنسى أن القاطرات تسير بالنفط

ويقال أن الثورات قاطرة التاريخ

وبين القاطرات والنفط يسير النهار على قدميه إلى الأفول

وتسير الأشياء بالدراهم

والدراهم مراهم كما تعلم

لذلك سيكون موتي خشناً

فجثتي لا تحتوي ولو فلساً واحداً - على الأقل-

سيدي. أضف إلى معلوماتك

لي صديقة برتقالية

ولكونها برتقالية - وربما لكونها صديقتي -

فإن الذين يحبون العصير يشربونها بدلاً عن القهوة اليمنية

وأنا أبلع ريقي أمامهم

لا أحرك ساكناً، ولا متحركاً، ولا طائراً

لا أحرك شيئاً على الإطلاق

أنا صفر مطلق

حكايتي طويلة ويداي قصيرتان جداً

يا سيدي أنا صفر مطلق

تقول العرافة - قلبي - بأني سأصبح طلقة

تصور طلقة يا سيدي

يجب أن تحكم علينا بالإعدام

يجب أن تمنعني من الحب يا سيدي

فأنا لا أملك إلا تعاستي دون مراهم

سيكون موتي خشناً

وكذلك حبي

دعه خشناً. حبي يا سيدي. حبي

 


 

 

الرسالة الثانية:  

أشياء أخرى

 

إنه القدر... هذا اللغز الشيق

هذا الشيطان اللولبي

الوهم. الحقيقة. جدار جسدي

وأنا دونكيشوت هذا القرن

دونكيشوت هذه الساعة

جامح أكثر من حصاني

دائخ أكثر من طاحونة هواء

هنا الدنيا تتسع بعض الشيء

وكذلك القدر

تشدني الأشياء الميتافيزيقية

الحقيقة مقتلي على يد هذا الظل الماكر ورائي. الوهم

الوهم إذاً يا سيدي

خذني بيدي أو برجلي

خذني من شراييني المكشوفة إلى فم صديقتي المكسور كسفرجلة

إلى فوهة وطني البائت كبركان ميت منذ أيام اقليدس

حيث الملتوي أقصر الطرق بين نقطتين

أو إلى زوبعة واسعة في فنجان ضيق

لتنكسر حراشفي المطعوجة، وأستقيم في خاصرة الأشياء

من أفواهكم أدينكم، هكذا سأقول، للأمم الميتة

والشعوب التي لا طعم لها ولا لون

للجثث ذات الرائحة القوية، والفصول المصابة بالزكام

لأنوفنا البالغة في الطول

سأقول لقد جفت صحف الصباح على جريمتنا القانونية

وسراويلنا الشرعية جداً

ورفعت أقلام الفراشات، دون أن تكتب على صدر زهرة برية

صباح الخير أو صباح الشر مثلاً

سأنزف الكلمات، وأتقاطع مع لغتي

أعيد تكوين الكوابيس على شكل قانون

وتشكيل الجغرافيا على شكل تاريخ

وتأسيس التاريخ على هيئة " بلدوزر "

هكذا الأشياء تتم دون أن يستشيرني أحد أو يستشيرك ياسيدي

لأنهم غائبون - والغائب عذره في جيبه - يحمله كإسم بلا مسمى

وكمسمى على مدمى

ستسير الأمور كما ينبغي - وفي الحقيقة كما لا ينبغي -

تعال نعيش إذاً، وبصفتك رجعياً ومغروراً

- و هذا ما يعجبني منك - ارجع إلى الأمام يا سيدي

نحن هوية الزمن المفقود، نحن العنوان الواضح لكل ما هو فاقع هنا

ارجع قليلاً ليشهروا عدميتي الكريهة

ولأصبح فقاعة صابون هذه الدنيا

ليضحك العقلاء إذاً، وليضحك القتلة إذاً

ليضحكوا... ليضحكوا

ليصبحوا بعد قرنين أو قرن واحد حيوانات ضاحكة

نعم حيوانات ضاحكة

ولنصبح كما نشاء، ولأننا لا نشاء أبداً

فالكثير من الأشياء سوف تحدث

فمثلما كنت فيما مضى أقود جيوشاً ضخمة

حتى التقيت بهزيمتي، وذاب جنودي كالشمع

ستحدث أشياء اخرى أيضاً

لا تقطع الأمل يا سيدي، ولا تقطع رأسي أيضاً

كي لا تحرم القتلة لذة تعقبي

والسفلة لغة تعقبي


 

 

الرسالة الثالثة: 

نصيبك يصيبك أو لا يصيبك

 

أيتها الأرزة، أيتها اللغة البيضاء

أيتها اللحية البيضاء، أيها اللبناني العجوز

تجاوزاً يمكننا الإنتظار

سأكون " غودو " بالنسبة لك

وبما أنني هامشي جداً

كن أنت " غودوي " الذي لم أنتظره ولو لحظة واحدة

لقد كنت آتٍ بشكل مستمر، وبشكل مستمر كنت تذهب

لست أدري تماماً

من أين أتيت بطبيعتك النهرية وتكوينك النهري؟

هذا شأنك، ومصيري شأن هذا العالم

والعالم ليس صديقة أقرأ لها قصيدة حب

العالم شأن آخر

العالم ليس شأنك أيضاً - لأنك شأن الأنهار المعكوسة -

ترجع إلى الأمام وتركض إلى الوراء

تجرب صداقة الطريق لك

أنت تجرب إذاً - والتجربة أكبر برهان -

التجربة بنت اللغة، واللغة بنت الناس وبنت الغابة

- غابتنا المكتظة بالأشباح النورانية -

وبحكم سذاجتي الجغرافية

تعلمتك منذ أن كنت صغيراً

- والعلم في الصغر كالنقش في الحجر -

ومنذ أن كنت كبيراً تعلمتك

ومنذ أن لم أكن، لم أكن ولن أكون

فمنذ أكثر من ألفي عام أنا مهزوم هنا

ومنذ مائة سنة تقريباً قررت أن أكون القرن الخامس بعد الموت

والساعة الخامسة والعشرين

خاصة، منذ مائة سنة لم أمت بما فية الكفاية

ولم أقبل صديقتي بما فيه الكفاية

سأتكئ على ذاكرتي المكسورة

وسنلغي اللغة هنا، وبالأحرى لقد ألغينا الأشياء الأكثر أهمية

سنلغي الماضي كي يصبح أمامنا، وكذلك يجب أن ننسى المستقبل

لنثبت قدراتنا الفذة على النسيان وبشكل أدق على التناسي

أرجوك أن تتحملني يا سيدي - سأبدو غليظاً على شكل بلبلة -

وأرجو أن لا تلغي اللغة بيننا

 فنحن في الغابة، واللغة بنت الغابة

تعال نتحدث دون مزاح، ونحارب كملوك أشداء

يجب عليك أن تحاربني، وأن أحاربك

يجب أن لا نكون جبناء مثل " هاملت "

يجب أن نقتل

وأن تكتب أسماؤنا المكشوفة في أرشيف المنظمات الدولية وغير الدولية

يجب أن نقتل لأتفه الأسباب ولأعظم الأسباب

أنت سور لا ألف له ولا ياء

أنت سور وأخرس

لقد سرقوا اللغة، إنهم اللصوص يا سيدي

يجب أن تتمالك قلبك كي تسقط في المأزق مباشرة

تعال نصبح عمياناً

فالعمى أفضل أشكال التبصر

أريد أن نصاب بعمى الفراشات وحمى النحل

وهذا ما لا يريده أحد لنا

نحن جيف ساخنة، لا غبار علينا، ولا غبار على وجوهنا الذائبة

هكذا يقررون وهكذا لا نقرر

تعال نحتال على اللغة، مثلما يحتالون علينا كلما شاؤوا

- و بالطبع هم دائماً يشاؤون -

بمشيئتهم تجري الرياح وتجري السفن

تجري الأنهار والبحار

يجري الدم في العروق وكذلك على الأرض

إنها المشيئة يا سيدي

يلزمنا شيء من هدوء الماء، كي يتحسب المارة من عمقنا

وكي يتمرؤوا في سطحنا

ولكن لست أدري لماذا كلما شاهدني أحد ما نظر إلى ساعة يده

ليعرف الوقت بالضبط؟

أمور كثيرة أجهلها يا سيدي رغم أني قرأت باسم ربك الذي خلق

خلق الانسان من علق

التتبع إشكال ميؤوس منه، أشكال ميؤوسة منها، تابع معي إذاً

فرغم أنه لا يحق لي أن أكون ولو صعلوكاً ذليلاً أو لصاً عارياً

حيث الكينونة معدومة هنا

وأنا حكمت علي جميع المحاكم بالإعدام بالجملة

فإن أمور كثيرة يمكن لها أن تكون... و يمكن لي أيضاً أن أكون...

الإمكان قائم دائماً... المكان قاتم دائماً

النفط يا سيدي والثروة الحيوانية

الثروة الشعرية، الشعر أيضاً نفط...

كلا - أعتذر - الشعر ليس نفطاً

الشعر حريق، وبلغة اخرى احتراق للكلام

ألف. لام. ميم. ألم يكن بالإمكان أن نكون رعية جديرة بالموت عند بوكاسا مثلاً؟

أيها الملك إنك لن تسقط لأنك لست ملكاً على الإطلاق

 


 

الرسالة الرابعة: 

المهم هو الأزرق وبشكل أدق الأحمر والأسود

 

هنا الأشياء تبتدي

القافلة تمشي، والكلاب نائمة لذلك فهي لا تنبح

الناس كلهم يمشون.. وأيضاً الأرض. القمر. الرياح. المياه. الغبار...

إلا أننا واقفان يا سيدي

والوقوف هنا ليس بقصد الموت شجاعة

رغم أنه يقال: الأشجار تموت واقفة

لا يهم الموت وقوفاً أو جلوساً بالنسبة لنا حيث الحياة زحف مذل يا سيدي

وباعتبارنا لا نتعظ أبداً، ولا نستفيد من التجارب أبداً

لذلك سأمد قدمي أطول من بساطي الممزق

سألقي قدمي في العراء، وكذلك في دواليب الحظ

إنك لن تحتاج للسفر إلى بنغلادش لتتعرف على الجياع

كذلك لن تحتاج إلى دونكيشوت ولا لطواحين الهواء

يجب أن نتذكر الأغاني - يا مارر عالطواحين الماية مقطوعة

خايف لتدور الطواحين والحلواية توعا -

يجب تمرين النسيان على الذاكرة

يجب أن لا يتبعنا ظلنا

هل تتذكر الظل يا سيدي - ربما كان الآخرون -

سأعطي جرحي بعداً آخر، وأمنح الفراشات معنى آخر

فبعد أن تحولت صديقتي إلى فراشة، أخذت أزهار الأغاني ترقص

الأزهار ترقص والفراشات إلي تطير... إلي... إلي

البحار... ما شأننا بالبحار

المهم هو الأزرق، الأزرق العميق، الأزرق الحالم

ولا تنسى الأشياء الحالمة..

وكذلك التردد الحالم مثل عيني أمينة التي قلت لها ذات مرة

بقلب حاف وبقدمين حافيتين أحبك..

هنا رومانتيكية مدي

أنا ابن الأزقة والشوارع المراقبة بالرادار

وقد قلت لقاطع التذاكر

سيكون نعشي شرفاً منبوذاً للناس

كما قلت لقاطع الرؤوس

سأعطيكم المال - أي الدراهم - وهو ما قلته لقاطع الطريق أيضاً..

ولكن يا سيدي - أرجو أن يكون الكلام بيننا –

ليس لدي سوى قلبي الحافي وقدمي الحافيتين

لقد كفر ديكارت يا سيدي لقد كفر

ونحن المؤمنون جداً - كعادتنا - بالأشياء الممكنة

سنقول دائماً ممكن جداً ولو كان غير ممكن

خاصة وأننا متورطون في اللعبة مع قاطعي الأنفاس

وهذا في حد ذاته أخطر من اللعب بالنار

ولأنك لست ملكاً على الإطلاق فإن عرشك لن يهتز على الإطلاق

ولأنك بحر وأرزة، ستبقى أزرق إذاً أو رمادي غير صامت

وستبقى لحيتك بيضاء، كل ذلك للاحتمالات.

دعني أتفلسف يا سيدي... أهذي... أشكي... أشكو...

مثلاً من الأكراد الذين يتحدثون عن حلبجة في الأعراس

أو من السياسيين الذين أخذوا يشربون القهوة بالحليب

تماماً مثل ريتا عشيقة الشاعر الفلسطيني محمود درويش

وكذلك من " الشعراء " الذين يتحدثون عن أزمة الشعر

أو عن أبي العلاء وفانوسه السحري

يجب أن أعرفك بنفسي يا سيدي

فأنا سليل النفط والدول العظمى

أنا سليل الخيانات العظمى

ولأن الأمور جدلية جداً فإني - اسوة بالآخرين -

أجعل من ذلي إباءً لا يطاله الشك

ومن ظلي إناءً لا يطاله حتى جسدي الضامر

 


 

 

الرسالة الخامسة: 

وجدانيات لا تتعلق بالوجدان

 

علينا أن نرفع الستار.. ونرفع رؤوسنا أيضاً

ولأن أعناقنا فيها شيء من الإنحناء

فعلينا أن نكتشف ما يتم وراء الكواليس

حيث من يفعل مثقال ذرةٍ شراً يره

إنها الجريمة، جريمتنا نحن التي لم نرتكبها

لأننا عناصر الجريمة فقط - محتوياتها - وليس ارتكابها

لنأخذ العبر من الزمن، والدروس من اليمن

وكل الإحتمالات من الوطن، من الوطن يا سيدي من الوطن

هنا التكرار واجب، ولا شكر على الواجب كما هو معروف

يجب أن نتسكع ونكون أول الجياع جوعاً

وأكثر المهملين - بفتح الميم وليس كسرها - اهمالاً

وأشد المنسيين نسياناً

ولأن رغباتنا في الموت لا تتحقق، كذلك فهي في الحياة لا تتحقق

لست يائساً على الإطلاق

ولست أرثيك على الإطلاق... فالرثاء أمر ذليل

واليأس مهنة شائعة، ولأننا نتوجس من الشائعات

لذلك سنضع كل ما هو شائع جانباً

نحن بصدد أشياء أخرى

لست أمدحك أيضاً... فالمديح عادة السفلة

ولست أقدحك... لأن القدح مهنة القائمين على رأس مهام ما

ولأننا مشردون حتى النهاية

- باعتبارنا من اولئك الذين ينتمون إلى الدنيا والناس -

لذلك أتحدث عن أصولنا في الينابيع العميقة

فوق هذه الأرض وتحتها من جنات عدن وجنات شأن

وعن فروعنا المختلفة في مدن هذا المحيط

المحيط إذاً. المحيط بنا والمحيط فينا

وهنا سأسميك محيطاً لأنك تحيط بأشياء لن يعرفها السفلة

إنك لن تحتاج لزيارة المتاحف كي تتعرف إلى مستحاثاتنا هناك

فأنت تعرف أصولنا عموماً وفروعنا خصوصاً

لذلك لن تحتاج لزيارة المقابر كي تتعرف على الموتى

نحن وراءك تماماً.. لا تبالي يا سيدي لسنا أمامك

نحن وراءك فقط ، لن تحتاج للالتفات نحونا كي تعرف الأحياء

لأنه ما زلنا نفارق الحياة دون أن نموت

أريد أن أحدد هويتك أكثر كي أرى حجمي بوضوح

خاصة وأنك لست ملكاً، لذلك فالشعر ليس مملكة

و لست راقصة، لذلك الشعر ليس رقصاً

إنك مجرد شاعر يا سيدي

أنت مخرب يا سيدي، إذاً الشعر تخريب

أنت نبي يا سيدي لذلك الشعر منبوذ في هذه الأرض الغنية بالبترول

- أمرك لربك إذاً - تهاجر إلى المدن المنورة، وإلى المدن المدورة

المدن المقعرة كبطوننا، والمحدبة كظهورنا

المدن المستطيلة، المربعة، المثلثة، المثنى، المفردة

المدينة مفردة ونحن جمع يا سيدي.

الشعر ثورة بيضاء، لن أقول انقلاب

لأنك ربما تخاف من الانقلابات كالملوك

لذلك أنت جندي مكشوف لا نصب لك ولا ذكرى

تنتصب في خاصرة الأزمنة وتغزو العالم

العالم المغلق الفم، الحاد الزاوية و المنفرج الساقين، كجرحنا

كأحلامنا. كمتاهاتنا. كأشيائنا الاخرى. كأوطاننا

أرجو المعذرة من استعمال كاف التشبيه بغزارة

- فهذا لا يجوز كما يقول الاصوليون والمتأصلون -

رغم أن أعرابياً تجرأ على استعمالها مرتين في بيت واحد

أمام أنظار خليفة عباسي

" أنت كالكلب في .... وكالتيس في......." 

فماذا لو أن هذا الاعرابي جاءنا الآن وأراد أن يقول

ما قاله لأحدهم - لا أقول لأحدنا - ؟

حسناً إذاً

يجب الأخذ في الاعتبار هؤلاء الذين أمعاؤهم دقيقة وبطونهم غليظة

يا سيدي

الذين يطبخون الشعر في طنجرة نحاس

كي يطمئن الفراهيدي!! إلى شاعريتهم الفذة بالطبع

لنمشي إذاً، لأنك تفتح أبواب الحروب

و لأنك لا تحب أن تقتل ولا أن تقتل. فقد ذهبت وكأنهم قتلوك


 

 

الرسالة السادسة: 

المكان والزمان.. نحن والعالم

 

باعتبارك لست المكان، ولست الزمان

وباعتباري لست عضواً في الأمم المتحدة

كي ندوِّل قضية من يموت دون أن يتمتع

بحق الحصول على قبر مناسب

ولست عضواً في منظمة " الأوبك "

كي أستخدم الغاز الطبيعي في مجالات غير سلمية

وكذلك لست عضواً في اتحاد الكتاب العرب

كي أدعوك إلى حفل تكريم صاحب خط متقن

يكتب للمنتصرين بحروف من عسل

ويتعملق على الملك السكير امرئ القيس

لذلك أرجو المعذرة يا سيدي

حين سيكون القمر ساطعاً، نصفين أو قطعة واحدة

للأشياء حالاتها.. تحولات العمر فينا

كذا النباتات حلوة...ذكريات العشاق... مرارة الحب

في قاع كل قلب يا سيدي.. حلاوة اللحظات الهاربة تحت لساننا

ساعة للتنفس في السجن.. ساعة للشمس وساعة للمحي

التاريخ ممحاة.. نعم التاريخ ممحاة منشارية

الجراد. الجراد يا سيدي

غابات النخيل وحقول النفط

جيكور اليتيمة وابن السياب

الفراشات السائبة.. الكلمات... الطرق الملغومة..

الشعر الموقوت.. القنابل الموقوتة.. الأصدقاء الموقوتون..

الزمن الموقوت.. الأعداء الموقوتون

ابن آدم هنا.. المخاط الشعري.. المشهد الكوني..

مخاض الجبل وولادة الفأر

ولربما مخاض الفأر وولادة المقاعد.. نعم المقاعد تماماً

الصحف. الصحف... الصحف يساراً... الصحف يساراً إذاً

عليك أن تكتب بيدك اليسرى كي نتأكد من أنك يساري

وإلا فإنك يميني حتى يدك اليمنى

تعال نتحد لنكون أمة واحدة، أو تعال لا نتحد

لنختلف. لنختلف، ونختلق

- أعيذك من الاختلاق فأنت خالق يا سيدي سامحني -

لنختلف إذاً. لأنك لم تخلق الأشياء من علق

إلى المراكب لنبحر. لنبحر

لا تتركنا أيها الفاتح.. البحر من أمامنا والعدو وراءنا

هنا مراكبنا تحترق، علينا بالمجاديف

لنجازف.. هكذا يقول البحر الذي أمامنا يبتعد أي يمتد

لقد أحرقوا مراكبنا ليطبخوا وليمتهم، وأيضاً شعرهم

لنا المجازفة يا سيدي. لنا المجازفة

لنكن عصابة الشعراء إذاً - ولأن كلمة عصابة لا تليق بنا -

فلنكن مهربين إذاً - نهرب ما نكتبه على جدران عروقنا العارية -

لسنا مهربين يا سيدي

لنا شرطة المكافحة وكل أنواع الشرطة

حتى شرطة الجوازات. فالشعر لا يجوز

العالم شرطة يا سيدي.. البترول أيضاً شرطة

كذلك الانحياز وعدم الانحياز

الحاسوب العربي. ميتسوبيشي وعربسات

إلى الضفة إذاً. الضفة الاخرى، ضفة الأعشاب السامة

الغيوم كما يجب والمراكب كما يجب

البحر. البحر.... لنا البحر

ليس لنا بحر يا سيدي... لنا اليابسة. البر المحترق

الرماد البري واحتمالات اخرى. شعراء آخرون. قارات اخرى

لربما آسيا.. آسيا إذاً.. القارة سراً. الغربة سراً. الحب سراً

الموت سراً. الثورة سراً. القبلات سراً. الأشياء كلها سراً

سراً وسراً يا سيدي - والكلام سراً بيننا - أحبك سراً وأكرهك سراً

لا غرابة في هذا

خاصة إذا علمت أنه حتى حبيبتي - رغم أنني أرى في هذه الكلمة

خطأ لغوياً وأخلاقياً سافراً - عشقتها سراً

وبدافع من أنانيتي البيضاء التي تشبه لحيتك المكشوفة، آثرت الأشياء الشائعة

ولكن لنتابع سراً غربتنا بحكم النفي ونفي النفي. الجدل يا سيدي الجدل

هيغل يبتكر القانون وكذلك كارل ماركس. البير كامو حاقد جداً...

القانون ابتكار ويسمى خطأً اكتشافاً... الإبتكار يا سيدي الإبتكار

فكما هو معلوم أن الفلاسفة يبتكرون الأسلحة

فكذلك هو معلوم أن البترول يبتكر القتلة

وبتعبير آخر ينسخ الأشياء.. الجرارت.. أجهزة الفيديو..

اسطوانات الموسيقا.. الفنادق...الناس. و الحبل على الجرار

ولأن النسخ مسخ في الظاهر - أقصد الباطن - لذلك العالم مسخ يا سيدي

حلمك علي. لقد تطاولت أكثر مما ينبغي، أكثر من الحدود الدولية

والمعاهدات المبرمة بشكل ثنائي وثلاثي واحادي

و اختصاراً بشكل سري

لقد وصلنا الخطوط الحمراء وبكارة الدول

يجب أن تكون الدول عذراء كصبايا آسيا يا سيدي

إنها فلسفة الآخرين - أي الأعداء -

يجب التوقف إذاً.... قف

و لأنك لا تقف أبداً

لذلك تابع سيرك، أو تابع سيلك أيضاً إلى الضفة

الضفة الاخرى... ضفة الأعشاب السامة

لا تشرح شيئاً لي.. فالشعر شرح خاص

الشعر حيث ينتهي الشرح أو حيث يبتدي

أو يلتغي كما نحن نلتغي... ولأننا لا نلتغي لذلك نلتقي

نلتقي في العالم، في المراكب التي لم تحترق

مراكب الاخدود الحاد

 


 

 

الرسالة السابعة: 

ستكون الدروب وعرة كما مضى

 

طريقان إلى الشعر ونفترق

طريق إلى سجنين ونفترق

لا نموت واقفين لأننا لسنا أشجاراً على الإطلاق

سوف لن احدثك عن الجنون، فقد ادعاه الكثيرون وادعاه القليلون

وبلغ حد الابتذال - أقصد التواطؤ -

التلوث. التلوث.. تلوث البيئة وتلوث الشعر

الشعر بيئة والبيئة تاريخ

التاريخ مزاج يا سيدي وليس مزاحا

النقطة التي في تقعر الحاء هنا تعني الكثير

لنطالب بالنوايا... النوايا طيبات

إنما الأعمال بالنيات وإنما النيات بالأعمال

ولأنك تشتعل دون ضجة

فلماذا كل هذا الانطفاء في سقف بيتنا دون ضجة؟

 


 

 

الرسالة الثامنة: 

الأحجار والقصائد

 

الصيف ضيعت اللبن، وأنت ضيعت نفسك معي

ولأني أعرفك عن كثب، فقد ضيعت الفرصة بأن تكون ملكاً

لقد خسرتك الممالك، وضيعتك المسالك

ومع ذلك اهتديت إلى هنا

إلى النهايات المغلقة للملوك. وإلى البدايات المكسورة للأمم

- أي لنا - باعتبارنا أمماً مكسورة

وصحيح جداً أن نكون مكسورين أو أن ننكسر كقشور الجوز

وعنيفين كرغبات الذين يرمون أنفسهم من الشرفات إلى الشوارع

ومن الشوارع إلى الثورات النازفة

وصحيح جداً أن لا تكون صحيحاً - ولست صحيحاً أبداً -

إنك لست صحيحاً يا سيدي

من الممكن، وإنك لكذلك، أن تكون:

فدائياً، كالشعراء في القصائد

وعاشقاً، كالشعراء في القصائد

ومجرماً، كالشعراء في القصائد

ومن الممكن - وربما لست كذلك –

أن تكون نبيلاً كالملوك في العواصم

الملوك نبلاء يا سيدي

نعم نبلاء، رغم أنفك، ورغم أنفي أيضاً

وإذا لم تصدق فعليك بالجرائد، وإن لم تشأ فعليك بالقصائد

الملوك نبلاء بحذف النون.. لنكن على بينة يا سيدي

يجب أن نعترف بحقوق الانسان دون مراعاة لمزاج الملوك

أو يجب أن تعترف بحقوق الملوك

ورغم أنك لست ملكاً

إلا أنه يجب أن تعترف بحقوقي المشروعة

وغير المشروعة كلما راودتك الشجاعة

فالساكت عن الحق شيطان أخرس

ولتعلم أن الملك حق - أو هكذا صار - ولحيتك البيضاء حق

و القبر حق. القبر حجر أيضاً

الأحجار ملك الشعوب

و لأننا لسنا شعوباً - أقصد نحن الاثنين فقط - 

لذلك تعال نكف عن استعمال الحجر في قواميس المساء

كي لا تتحجر أيادينا مثل تماثيل الملوك

خاصة وأنك لست بملك

ولمزيد من التوبيخ يمكن أن ننسب الحجر إلى العصور الحجرية

والكلمات إلى العصور " اللغوية "، والنار إلى عصور الجحيم

لقد خلق الله الجحيم حين خلقنا الشرارة الاولى في أحسن تقويم

أو في أحسن صوانتين

ويمكن أيضاً أن ننسب إليك أشياء كثيرة

ويمكنك ألا تخرج من القصور

قصورك عن أداء فريضة الحج مثل روجيه غارودي

وقصورك عن توفير الموت بسهولة تامة لشعوب تقاتل ضدك

سأتركك في قصورك، كي تدرك أسباب سقوط الأندلس

إنه دونكيشوت يا سيدي.. دونكيشوت الرث. المختبئ

الذي يثير شفقتنا الساخرة.. لقد أسقط دونكيشوت الأندلس

لنكن في الضفة إذاً.. لنفكر جيداً بالنهر الذي يفصلنا عن برٍ ميت

لنترك البر الميت.. لقد تأثرنا باسبانيا

فمثلما مصارعو الثيران ينازلون ثيرانهم براية حمراء

كذلك عشيقاتنا ينازلننا بروب أحمر أواخر الليل

ولأن أواخر الليل زمن مخصص للأشياء الخطرة

لذلك يمكن لحرب عالمية أن تنشب فجأة في أواخر الليل

ويمكن لانقلابات عالمية أن تنشب

يمكن أن تنشب انقلابات ضدنا.. وانقلابات ضد الملوك

ولأننا نشبه اللصوص إلى حد ما

حيث نستخدم مفاتيحنا على أبواب لم ندخلها

لذلك نحاول التركيز على الأشياء الثمينة

نستخدم مفاتيح الكلمات على أبواب الأشياء

ونرتطم بجدران بيتنا العتيق الذي لم يتطور أكثر من ياقات الملوك

لذلك أرجوك أن نختلف كي نبتعد عن بعضنا

اختلف عني وابتعد عني

العفو يا سيدي أنا قريب من آخرتك التي مضت

هنا أولك. دنياك

هنا نمضي في القصائد إلى نهايات الأشياء

وفي الحلم إلى بدايات الموت

لتكن على علم بأننا نحلم بالموت

- بالطبع لا أقصد نفسي وإن كنت أشملها -

فأنا طاردت وجهي حتى التصقت به ولم أغرق مثل الأمير نرسيس

الذي تمرأى في وجوهنا حتى غرق فينا

نرسيس يا سيدي. نرسيس

نرسيسك، الذي أودى بك في أرزة بيضاء

وقصيدة بيضاء لم تكتبها

و لحية بيضاء تخبئ بها وجهك


 

 

 

الرسالة التاسعة:

الحكم أولاً.. الحكمة أولاً

 

لندع التذكير والتأنيث جانباً كي لا تشعر المرأة باضطهادها

ولندع أفواهنا جانباً كي نكف عن الثرثرة - أقصد عن الألم -

ولأنك لست كفيفاً فتألم كما تريد ولا تخف

فالأمم المتحدة أباحت لنا حق الألم في كل قوانين الدول

- بما فيها الدول التي لا قانون فيها -

ولأني لا أحبك كما يحبون النساء في الأغاني

لذا أحرضك ضدي وأحرضني ضدك

تحرض الأشجار على الأشجار - ذلك في الغابات -

و الأسماك على الأسماك - وذلك في البحار باستثناء البحر الميت -

تعال نحرض القوانين على القوانين

إذا كنت حريصاً على ازدهار اللغات الخالية من الدسم

لقد أخذنا من الفلاسفة حكمتهم الباردة

ومن المشردين أقدامهم المزروعة في الأرصفة

ومن المزارعين عقلهم المكسور

يجب تطوير الزراعة.. لنزرع القطن على ضفاف الدمامل

والشوكيات في العقب الحديدية

والخيزران في أعقابنا

ويمكننا أن نترك رغباتنا الحاقدة

يمكننا الاستغناء عن الهذيان إذا أمكننا الاستغناء عن العالم

لقد هاجرنا كعقولنا.. عقولنا ليست كالسنونو.. وأنت لست كالسنونو

برأس فارغ أفكر في اليوتوبيا

حيث من الممكن للأرز أن يتطور دون أن يكف عقلي عن التهجير

وبشكل أبيض أستطيع أن أقول أن عقلك اختنق في رأسك

لذلك لا تعاتب الحرس الذين طاردوه إلى ما وراء الحدود

ولذلك كسرت تابوتك وخرجت إلى الموانئ

وكسرت القصائد كي تخرج إلى العالم

والقصائد ليست توابيت وإن كانت أبوابها من حجر

ولأنك لم تتحجر، لذلك كان عليك أن تتفجر مثل بيروت

أنت بيروت يا سيدي.. بيروت الاخرى.. بيروت الشقيقة

الشقيقة التي تضرب نصف الرأس

والعالم الذي يضرب النصف الآخر من رأسي

ولأنك لا تحب المزايدات كالذين يمارسون السياسة

ولا تحب الأبقار كالذين يشربون الحليب

لذلك كونت فكرة خاطئة عنا

لا تكوّن فكرة خاطئة عنا يا سيدي

ومن الأفضل أن لا تكوّن فكرة عنا على الإطلاق

وحتى لا تكون دونكيشوتاً أعور

التفت إلى نصفك المكسور في الطريق إلى المأثرة!!.

 


 

 

الرسالة العاشرة: 

غيرة الأشياء تمحي ظل النوايا

 

سأتحدث عن مجريات الحلم في جمجمتي

وعن مجريات الديدان في حلمي

سأتحدث عن أسناني المنخورة

وعن مجريات السكاكين في عنقي

وكذلك عن مجريات عنقي أمام عتبات الدنيا

سأتحدث عن الانقطاع.. انقطاع الانتظار في قلبي

سأتحدث عن انقطاع سرتي نتيجة الخوف، فأنا أخاف يا سيدي

سأجمع حروف الجر وحروب الجر

سأجر نفسي إلى بليتي، وأستعمل كل أدوات الجر مع خوفي

سأتحدث في خوفي.. سأتحدث بخوفي.. سأتحدث من خوفي

كالمعتقلين في التحقيق - حيث أنا معتقل داخل نفسي أو نفسك

أو نفس من تشاء. لا فرق -

سأتحدث عن خوفي.. سأتحدث على خوفي.. سأتحدث إلى خوفي

سأتحدث بلغة واضحة وبلسان مقطوع

لقد أصبح حلمي ضرساً منخوراً

ولأني لا أريد لحلمي أن ينتخر ولا أن ينتحر

ولا أريدك أن تكون ملكياً أكثر من الملوك أو فلكياً أكثر من الفلكيين

لذلك لن تكون جمهورياً أكثر من جيش ايرلندا السري

ولا يمكنني الخروج من جلدي الآن كي تعرفني

الآن إذاً .. المهم هو الآن

الآن مطلوب مني أن أقدم رقصة شيقة

- اسوة بالسيدة نجوى فؤاد – لسادة من غبار

ومطلوب أيضاً أن أغني وأسير في جنازتي مع بكاء أمي

ولكن يا سيدي أظنك تكره هؤلاء

لذلك أرجو - بعد خروجك من القبر والافراج عنك -

أن لا تندم على زيارتي مثل صديقة قبلت وجهها العاري

ورغم أنه كان ممكن جداً أن نتحدث عن علاقة الحب بزلزال أرمينيا

أو علاقة الجراثيم بالأزهار، وعلاقة شفتيها بفمي الثرثار

إلا أنها وبختني.. فبلعت ريقي كسكين مسمومة كي أموت سراً

كما يموت الساسة المنبوذون

إننا نفشل يا سيدي - وللتذكير فقط –

فقد فشلت أن تقلد زوربا مثل " علي الجندي " 

أو أن تنزع عن امرأة سروالها قبل أن يطفح الكيل

وفشلت أن تقول أن الوطن - أي وطن -

من الممكن أن يصير تابوتاً يحمله الناس إلى القبر

بشيء من الاحتفال المقدس

الفشل بندقية صدئة.. لذلك فهو يفشل معنا

لننجح إذاً.. لننجح كلما جاءنا الفشل

وكلما جاءنا الهرم - لا أقصد خوفو - وإنما شيخوختنا يا سيدي

إننا متعبون هنا.. أنا متعب هنا

قرب تعبي أكتشف الأشياء وعيناي مسافرتان الى العدم


 

 

الرسالة الحادية عشر:

سقوط الظل

 

ليوم آخر.. وليوم مضى

اختبئ في الصفحات

بشكل أبيض أمحي نفسي

وبشكل أسود أمزق دمي

أختبئ في الصفحات الممزقة من الجرائد

وفي الصفحات الموحلة من الأرض

منبوذاً في ضلوعي المكسرة كصوت قلبي

أرتدي دماري المر

فإني لا أملك ما يفضح عريي كثياب الامبراطور الجديدة

حين تنعس السماء فوق رؤوسنا

والشمس تعلن عجزها عن الوقوف عارية

ويهبط المساء علي كطير كبير

أصعد تعرجات نفسي في عالم خال من الحبق

أستيقظ من حالة ذعر أو حلم

لقد تعبت كثيراً

أي عشت كثيراً من أشباه الأصدقاء وأشباح البلد

من تكرار العمر بلا سبب

تعبت من السجون والمقاهي والألم

وحتى اللحظة هذي لم أتعب من الكلمات التي أكررها

ومن حبيبتي التي أكررها

من الحرية التي أتمناها

أكرر وأتمنى

وأنا جبار وكسول كذكر النحل

في رأسي ضجيج غامض

صدري أجوف كالقفص

وحين يستيقظ الفجر دون معنى

و يبدأ الناس طقسهم المريض كالعادة

أناجي العالم الغائص في تعاستي

بصوت ولد منبوذ

أما آن لهذا الصوت المتكسر في حنجرة قلبي

أن يقول شيئاً في حجم مصيبتي

ولهذا الحلم الذي يستفز آخر أنفاسي - بأن الحرية إنسان -

أما آن له أن يريني عرض أكتافة؟.

حلمك علي يا سيدي

فالأطفال في بنغلادش - أو ما شابهها –

يموتون لتأكيد صحة توقعات خبراء التغذية

والناس يدخلون السجون كي لا تتوقف منظمة العفو الدولية عن عملها

ويغدو أعضاؤها عاطلون عن العمل مثلي أو مثلك

وكي لا استيقظ ذات صباح على هيئة صرصار أو حشرة مثل أبطال كافكا

أعلن مسبقاً، وتعلم أن الذي أوله شرط آخره ليس بالضرورة سلامة

قلبي الغارق في رغبته حتى العنق

مغلوب على موته مقلوب على قفاه

وأنا مغلوب على موتي مقلوب على قفاي كملاكم مهزوم على الحلبة

لقد غلبتني أيها الوطن.. غلبتموني أيها الأصدقاء

أيتها الشوارع المتواطئة والعدسات اللاصقة

أيتها النفوس الهرمة لقد غلبت

أيها العنفوان المريض لقد غلبت

سأختار المساء من الأزمنة

ومن الأشجار حورة يائسة

كتعبير لعدم رضاي عنك وعن نهارات وطني

لقد تعلم الشعراء الكذب من غيرهم

ولاحقاً من بعضهم - فهم يكذبون يا سيدي -

سيموت الشعر حتى يكف الشعراء عن الكذب

سأحكي لك قصتي

يجب إلغاء القوانين - الملغاة أصلاً - كي أحكي قصتي لئلا أكون عدمياً

يجب انجاز قصيدة لأحكي قصتي كي لا أتهم بالشذوذ عن القاعدة

مثل سرحان الذي شرب القهوة في الكافتريا

وهو في طريقه للبحث عن مساعدات " إنسانية " من وكالة " الغوث "

أو وكالة الصحافة الفرنسية!!

سأخرج من جلدي كحية ألغت سمومها

سأخرج من وطني كوطن ألغى سمومه

سأخرج من عوائي كريح ألغت سمومها

سأخرج من حضن زوجتي كأي رجل فقد شهيته

سأجيئك في زيارة خاصة، ولو بدون دعوة منك

وأرجو أن تخرج من قبرك

فأنا لن أحاورك في القبر ولن أشرب معك القهوة

وحتى لا أجرح شعورك يجب أن لا تيأس يا سيدي

ولأجل أن لا تيأس

سأحكي بعضاً مما جرى لي - وأرجو أن تفهمني -

" أخيراً فعلتها أيها المجرم " هذا ما أرادت صديقة

أن تقوله لي بعد ما علمت أني قلت لفتاة أخرى صديقتي

" لقد فعلتها أيها المجرم " هذا ما قاله لي وطني

بعد ما قلت له انظر إلى نفسك في المرآة وتأكد فربما يكون فجرك قذراً

" أخيراً فعلتها أيها المجرم " هذا ما قاله عني أصدقائي بعد أن

دخلت متاهتي وقلت لهم تخافون الحرية أيها العبيد

" لقد فعلتها أخيراً " هذا ما قالته صديقتي أمينة ذات يوم

بعد أن قطعت من شفتيها قبلة بسكين فمي

أريد أن أودعك يا سيدي

وسوف لن أقول إلى اللقاء، و سوف لن تغضب مني

لأنك على اطلاع تام بأحوالنا حيث

- لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة -

لذلك لا تكن صديقي ولا تكن عدوي

فربما لا أستحق صداقتك مثلما لا أستحق عداوتك

وحين نرى المدن تكبر.. والعالم يكبر

فذلك لأننا نتضاءل

نتفرع إلى فروع تمتد إلى نهايات المدن

لندع النفط جانباً.. والقصائد جانباً.. ولندع أنفسنا جانباً

وسوف لن نرقص إذا صار العالم ديناراً رنينه موسيقا

سنرقص كلحيتك حين تعبث بها الريح

ولا بد يا سيدي أن أشدد على خصوصية في كل ما عم

وعلى عمومية ما كان يخصني

لأني صراحة لا أريد أن نتحاور ولا أن نتشاور

و لا أن نتقامر مثل دوستويفسكي من أجل حسناء تتمنع عن أسباب قوتها

تذكر دوستويفسكي يا سيدي

المقامر الذي غيّر العالم

الجمال الذي غيّر العالم

يجب أن يتغير العالم - هذا ما قاله الأقدمون -

يجب أن تتغير النباتات - هذا ما لم يقله داروين -

يجب أن يتغير الجمال

يجب ويجب ويجب... طريق إلى الحرية.. طريق إلى الحرية

حريتي أن لا أحترق في حلبجة

يجب أن لا أحترق في حلبجة.. يا سيدي

 

 

 

حلب - أواخر 1989

حنيف يوسف hanifyoussef@hotmail.com

 تيريج عفرين / 29 / 11 / 2007