تيريج عفرين

المُصَوِّرْ  يُوسُف

¹ في أوائل الثمانينات ، وعند أول عملي بمجموعة كهرباء مدينة عفرين ؛ لفت نظري شخص يمارس التصوير الضوئي في محله ستوديو23 .

يتحلى بحديثه المنمق ، ونظرته المميزة ، وكلامه اللين الخافت ، واستفساراته الدقيقة عن نوعية الصور التي يرغب القادم في إظهارها . إضافة إلى اللوحات الفنية المعروضة في واجهة المحل وجدرانها .. التي تؤْسِرُ الألباب .. الأمر الذي شدَّني إليه ، وتمنيتُ تعميق العلاقة معه , في هذه المدينة المنزوية , وفيها أستوديو بهذا الرقي ؟!. كبرت مدينة عفرين في نظري .

¹ في إحدى أمسيات شهر شباط عام 2007، فاجأني شخص من أهل العلم في المنطقة بروايةٍ أضفتْ إلى اللوحات الفنية لهذا المصوِّر مأثرة " الجنديِّ المجهول " تتراءى وراء كلِّ لوحةٍ من لوحاته الفنية التي تنطق قسمات صورها بما وراءها من روح وضمير.

موجز الرواية : لهذا الرَّائد مكانة في ذاكرة يوسف ، والخبير أدرى بقيمة الجوهر .. فكأنما الإيحاء القلبي أنبأه يومًا .. بحال هذا القابع وراء مكتبته ساعاتٍ طوالا ، وهو يتخطىَّ عقده السادس .. يكتب باحثاً عن جواهر الفكر من مناجمها القرطاسية المبثوثة بعدَّته القديمة ، يسعى لالتقاط دُرَرهِ المتناثرة من بين آلاف الصفحات بوسائل القرون الغابرة .. وفي عصر السرعة !!... آلـ..ـو .. لا تغِبْ بعد ظهر الغد من فضلك .. بين يديك خادمك الحاسوب من المصور يوسف و.. و...

وكان الغد .. فكان الخادم الذكيُّ الأمين وسط أربعة جدران من أمهات الكتب .. أمام الرائد المغمور .. ولا تَسَلْ عن .. ولا عن .. مادامت بقية من ذوي النخوة في السَّاح ... بل زاد عطر يوسف عبقا يومَ ما فاتح رائده قائلاً : تلك الدريهمات التي تنثرها لي بين الفينة والأخرى المتباعدة ، إنْ هيَ إلاَّ مُسَكناتٌ لـ ، أو كساءٌ لـ ، أوغذاءٌ لـ .. فلا تشغِلنَّ البال بما كان ؛ فأنت أغلى من الأثمان ، ويكفيني فخرًا أن قبلتَ العربون !!..  

¹ في جلسة هادئةٍ ومستفيضة ..

▪ سألت المصور عن أسوته في الحياة ؟. قال : والدي ثم والدي ثم والدي .

▪ وعن سبب نجاحه ؟. فقال : بر الوالدين ، ثم الأمانة والإخلاص في العمل .

▪ هل يمكن التوضيح ؟. قال : إليك الصفحات التالية :

  ـ الصفحة الأولى/ كنت في الرابعة عشرة مع والدي الموظف ببلدة الطبقة المحدثة ، أيام البدء بإنشاء السد على نهر الفرات عام 1974. والتصوير بالأبيض والأسود . فأقيم مهرجان فني عام 1977 في البلدة ، وأنا دائبٌ على التصوير والتحميض والطبع على مدار اليوم ، كالتالي :

أغادر البيت في الثامنة صباحاً إلى مطعم يفطر فيه مشاركو المهرجان .. أبيعهم الصور . وأتابع التصوير حتى الثانية بعد الظهر ، لأنام ثلاث ساعات في البيت , ثم أعود إلى تصوير المهرجان حتى منتصف الليل ، فأعود منهك القوى إلى البيت فحمام البيت .. الذي كان بمثابة غرفة العمل للتحميض و طبع الصور حتى الثانية صباحا .

في اليوم العاشر من المهرجان .. طغى الإرهاق على أعصابي ، بينما كنت بصدد تحميض فيلم بين يدي ، فأغرقني النوم في سباتٍ عميق .. و ما استيقظت إلاَّ والديوانة تحضن جزءًا من جسدي.

ـ صفحة2/: نحن الآن في عام 2000 ، وخلال تصويري مهرجان الأغنية السورية في مدينة حلب , تكرر نفس الجهد الفني ، إلاَّ أنَّ النتائج المذهلة مسحت العناء المضنيَّ ، وسَرَتْ العافية والرِّضى في كياني ، حتى آلَ بيَ الإبداع في التصوير الملون والأجهزة الحديثة إلى العمل في تصوير أول مهرجان للأغنية عام 2000 و لخمس سنوات .

¹ قيمة هذه الصورة أضفها إلى ...

دخلت نادي المحامين خلال عملي الجوال في سهرة رأس السنة ، وقد حضرها عِليَة القوم مع عائلاتهم . وبحوزتي مجموعة أفلام فورية ( بولورايد ) . طلب مني أحد الأعيان التقاط صورة لصبي وبنت يمرحان على حلبة الرقص ؛ فنفذت ذلك فورًا ، وأعطاني  لي مائة ليرة ، وحاولت إعادة باقي المبلغ ، لكنه رفض بلطف , فما كان مني إلا أن أكْرمه بالتقاط عددٍ من الصور لِمَنْ يجالسونه على طاولته توازي ما دفعه لي .

لم يَدُمْ سروري طويلا ؛ فأومأ إليَّ أحدُ المهندسين الحاضرين على طاولة أخرى ،

وطلب أخذ صورة له مع عائلته ، وناولته الصورة منتظرًا دَفعَ القيمة .. ففاجأني بالإشارةِ إلى الوجيهِ "والد الطفلين" قائلاً : اخْصُمْهَا من المائة ليرة التي دفعها الوجيه !!. فأجبته قائلا : لقد التقطت له ولأصحابه بما يزيد عن مئة ليرة !.. لكنـَّ...ـهُ تجاهلني تماما !.

¹ صورة تكلـِّف عشرين ألفـًا !!..

عزمت عـلى التقاط منظر طبيعيٍّ . فاخترت ( كالي تيرا  GelyTyra ) " وادي النشَّاب " . سافرت إلى الموقع ، وبدأت أنتقل من صخرة إلى أخرى في سفح الجبل .. باحثاً عن المكان المناسب لالتقاط الصورة المستوعبة للوادي بما فيه خط سكة الحديد للقطار .. فلم يَدُم البحث طويلاً ، حتى انزلقت قدمَيَّ ، وهويتُ مِنْ عَل ٍ كمزهَريَّةٍ محطمةٍ .. ولم أفِقْ إلاَّ والألم يحيط بالجسمَ كله .. فتحاملت القيامَ على مضض وإرهاق شديدين .. لا تكاد السَّاقُ تطاوعني في القيام ، لِمَا ألـّمَّ بها من الرُّضوض .. فتعرَّجْتُ نحو آلة التصوير التي انفلتت من يدي ، وهي تترقبني من بعيد مستغيثة بي لعينها المنكوبة .. التي تهشَّمَتْ .. فعدتُ بخفـَّيْ حنَيْنِ ؛ لتركيب عدسةٍ جديدة .. بعشرين ألف ليرة !!!...وكان الحدث عام 1990.

ما منطلق الفنان يوسف في أعماله ؟.

تعالى معه دائما .. بدليل أنه لم يخطر في باله بريق أملٍ في حياته ، وعزم على فعلهٍ ؛ إلاَّ وهَيَّأ اللهُ U جميع الأسباب التي توصله إلى تحقيق الهدف المنشود .

وخير مثال على ذلك ؛ كلما ألـَمَّ بي ضيقٌ ماليٌّ " وما أكثرها في حياة الإنسان " لاجتلاب بضاعةٍ مَا من ضرورات العمل ، ومهما كان الثمن ؛ إلاَّ ووجدتُ بشائرَ التيسير العزيز تحوم بي من حيث لا أدري ولا أحتسب .. أليس اللهُ بكافٍ عبدَهُ إذا استقام واعتمد عليه ؟!. 

¹ وحشة !. وشوقِيات !.. واللقاء الحبيب !..

▪ سيطر عليَّ كابوس الاشتياق للوالد الحبيب ، وأنا أسير في شوارع مدينة حمص في بداية عهدي بالخدمة الإلزامية ، دون أنْ أتَمَكَّنَ من إعلامه عن مكان سَوْقِي . شاء القدر أن أنزل مدينة حمص .. خاويَ الجيبِ مفلسًا في غربَةِ الديار , سارح الخيال في أحلام التائهين .. بَـ..ـابَـ..ـا !!. والـ..ـدي ؟!. هذا أنتَ ؟... وَجْهًا لِوَجْهٍ .. كيف جئت ولماذا ؟... كان الجواب : هاجَ في نفسي الحنين من يوم الفراق ؛ فألهـِمْتُ السَّوْقَ نحو حمص ، وقادني شوق الأبوَّةِ إلى حلب فحمص ، وترَجَّلتُ من الباص هائمًا في الشوارع، باحثاً عن فِلذةِ كبدي ، ألاحقُ عَبَقَهُ هنا وهناك .. إلى أنْ التقيتُ بك .. فيا مرحبا بالقدر 0 0 0ذلك الحدث كان عام 1983 0

الصادق في ظلال الحبِّ الصادق !!...

▪ لقد أغلقت الخدمة الإلزامية أبوابَ العَوْن لوالدي المتقاعد لا يسُدُّ دَخلهُ التقاعدي كفافَ العيش , فكيف بمصروف ولده في الغربة .

قصدت اللهَ Y في رجاءِ أمنيتين اثنتين ، أولاهما : أن يكون مركز خدمتي قريباً من

مدينة عامرة . وثانيتهما : أنْ يُقدَّرَ ليَ الانصرافُ بعد الخدمة اليومية إلى المدينة .. على أمل العمل المأجور في سبيل تخفيف العبءِ المادِّيِّ عن كاهل الوالد الحبيب .. وقد تحققت الأمنيتان يا محمد ؛ أليسَ اللهُ معي ؟!. ( قالها لي يوم ما استغرقنا في أحاديث الحياة ) .

0 الأمنية الأولى : كانت حمص المدينة العامرة .. كانت موئلَ خدمتي .

0 والثانية : أتيح لي الانصرافُ يوميًّا لأداء واجب العمل والاكتساب .

0 فكانت ساحة جامع خالد بن وليد " المَعْلم السِّيَاحِيّ المشهور " مكان الكسب بآلة التصوير . ولمَّا تَمْضِ أيَّامٌ حتىَّ اشتكى مُصَوِّرَان قديمان في السَّاح إلى الدوائر ذات العلاقة .. وجاء المَسْؤُولُ يطالبني بالبطاقةِ الشخصية ؛ فناوَلتـُهُ البطاقة مُرْفقة ً بهويةِ الصَّحافة ، وبالكتابِ الرَّسْمِيِّ الذي يخوِّلني ممارسة العمل الصحفي .

ولم أكتف بذلك ، بل شرحت له وضع والدي العائلي والمادِّيِّ .. مختَتِمًا حديثي بالجملة الفاعلة : إما أن أعمل ، أو أموت جوعاً ، أو ألجأ إلى ... .

أمعن المسؤول في وجهي ملياً ، ثم هزَّ رأسَهُ بإعجابٍ ، متمتمًا بكلماتٍ حانيةٍ معبرة عميقةٍ .. ثم قال : اسْتَمِرَّ في عملك يا ولدي ، وأنا معينك !. اتصل بي فور إحساسك ببوادر المضايقات في العمل .. وهو يعرض عليَّ بطاقةَ وظيفته لمعرفة اسمه وعنوان عمله .. فمن سَخَّرَ هذا المسؤولَ لحمايتي في غربتي وضيق ذاتِ يدي والبر بوالدي ؟!. إنه اللهُ وحده يا محمد !. هل أدركت السِّرَّ في التوفيق ؟!. ليس ذاكَ وحده ، بل أتيح ليَ التعاقد مع عدة استوديوهات في مدينة حمص .. مِمَّا كان سبَبًا ثـَرًّا للوفر الماديِّ الكبير ، يضعه الابنُ البارُّ بين يدي والده ، الذي قدَّرَ الله أن يستثمره أغنى استثمار.

¹ وجازة عن السيرة الذاتية لفناننا الموهوب :

ـ الاسم : يوسف بن حسين حسين

ـ ولد في مدينة اللاذقية 13/9/1960 حيث عمل والده ،وتنقل في المدن السويداء _ مشتى حلو_ حلب _ عين العرب ، ثم إلى مدينة الطبقة المحدثة عام1969، ثم إلى مدينة حمص حتى عام 1980، واستقرَّ أخيرًا في مدينة عفرين عام 1986 بتقاعد والده وإلى تاريخه .

ـ أهم مشاركاته الفنية : معرض إيران الدولي ، معرض دمشق الخامس ، معرض الصين الدولي ، معرض اتحاد الصحفيين العالميين في بلجيكا ، معرض المغرب ، معرض الأردن ، العمل مصوِّرًا لجريدة الجماهير الحلبية ... اعتمدت لوحـاته أخيرًا في إصـدارات وزارة الثقافة ،وأعمال وثائقية في التلفزيون العربي السوري ، وشارك في إنجاز التقويم السياحي السوري .

¹ مقتطفات مما كتب عن الفنان يوسف :

1ـ الدكتور اسكندر لوقا :

إن ثمة لحظات رائعة أبدعها الطبيعة ، استطاع الفنان يوسف حسين أن يدخلها في تاريخ الفن ، وتاريخ الوطن على حد سواء ... من القلب أهنئك ...

2ـ جريدة البعث : التصوير الضوئي .. من تسجيل اللحظة وتخليدها ..

يوسف حسين قام بتصوير آلاف الصور عن الآثار والطبيعة ، والحياة الاجتماعية ، في مدينة حلب وفي ريفها ، وهو بذلك يرصد حركة الحياة بكل جوانبها ، في مرحلة تاريخية ، ستصبح فيما بعد مراجع مهمة لمن يود الإطلاع عليها ... /رواد ابراهيم

3ـ جريدة الثورة :

آـ واقعية الكاميرا .. وجموح الخيال .. لعل الكاميرا أكثر قدرة على الإدهاش من خطوط وألوان ، تجسد الخيال .. في دمشق : ثمة معرض متميز لنتاج عدسة كاميرا ، وأحاسيس فنان ...

ب ـ تذكروا هذا الاسم جيداً :

يوسف حسين الفنان الضوئي الذي عمل بجدية عشرين عاماً ، ليقيم معرضاً في دمشق ...

4ـ الدكتور فاتح المدرس :

يوسف حسين يرى بضميره روعة التراب السوري الذي لا مثيل له في العالم ...

5 ـ الناقد التلفزيوني صلاح الدين محمد :

طالما شدَّ الفنان : يوسف حسين انتباه المشاهد . فقد وظفتُ صورَهُ في أهمِّ أعمالي التلفزيونية ، ولننتظر منه المفاجآت ...

6ـ فيصل العجمي نقيب الفنون الجميلة :

هذا الفنان يسمر لحظة ما ، في لقطة مختارة .. بعناية ، ليضعها أمامنا كعمل فني جميل تارة ، وتوثيقي تارة أخرى ...

7ـ جورج عشي : رئيس مجلس إدارة نادي فن التصوير الضوئي في سورية :

يوسف حسين هو أحد المصورين الذين يتقنون صناعة الصورة الوثائقية ...

8ـ الدكتور عبد الفتاح : أحدثت لوحاتكم أثراً كبيراً ، وترك انطباعات عميقة ...

9ـ مجلة الكفاح العربي :

300 مليون درجة ضوئية تتحول إلى لوحة .. 75 ضوئية ملونة في معرض بدمشق

... ومما أسعفه بالخروج بلقطات ساحرة وجميلة ومعبرة ، في تنوع الطبيعة السورية التي تحوي الصحراء والبادية والسهل والجبل والبحر ...

10ـ مجلة الألوان :

معرض الفنان يوسف ...بين الحلم والحقيقة . المتأمل لأعمال الفنان الضوئي يوسف حسين ، يعيش  تمازجاً داخلياً بين ما يحمله نحو الحلم ، وما يشده إلى الحقيقة .

وفي كلا الحالتين نعيش مع لوحاته الضوئية أجواء من العشق المتصوف للأرض والإنسان و الطبيعة... /لينة نويلاتي

11ـ مجلة الفنون :

أقيم معرض للفنان يوسف حسين في صالة الشعب ، ضم صوراً التقطت في مناطق مختلفة ، وظف بعضها في أعمال تلفزيونية ...

 بعض الصور عما كتب عن الفنان الضوئي يوسف حسين

  

اعداد الحوار المهندس محمد مجيد حنان

تيريج عفرين 1 / 1 /

جميع الحقوق محفوظة لموقع تيريج عفرين 2024