الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Fri - 29 / Mar / 2024 - 5:23 am
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/bayram.htm
الزاوية الأدبية »
ما حییت لن انسي ذلك الصوت البعید / قصة قصيرة

 "ما حييت لن انسي ذلك الصوت البعيد"


قالها وهو يعلق عكازته بطرف الكرسي و يهوي بجسده الغارق في القدم قبالة زوجته العجوز التي كانت ترتعد من البرد , و من مرض المفاصل , ومن الرعب الكامن في حديث زوجها .
ارتسمت على وجهه ابتسامة مخيفة أسفرت عن ألم ممض ٍ في قلب ٍ ينبض ببطء ٍ و تعب . حرك رأسه المثقل بتفاصيل القرون الغابرة , بدا كأنه متهم أرهقه التعذيب فجاء يعترف .
- ما حييت لن أنسى ذلك الصوت الرخيم , يمتزج مع صوت قطرات الندى المتساقطة بجانبي حين كنت أجلس مفترشاً كل تقاليد الدنيا و عاداتها و واجباتها و مقتضياتها , ملتحفاً خيالي الجامح , و رغبتي في التحليق
حين يأتيني صوتها كنسمة هادئة باردة , تنفذ من أذني إلى أعماق أعماقي و تترك في كل جسدي رعشة تكاد تشبه رعشة الحياة الأولى , أو رعشة الحياة الأخيرة , فينتفض قلبي هلعاً و أتسمر في أوراق الوردة الوحيدة , أعدها مرات و مرات فأجدها تتساقط تباعاً دون أن  أشعر .
كم ورقة بقيت؟؟؟؟
ورقة ٌ واحدة
ورقة ٌواحدة و يتلاشى كل شي خلف الأفق الوهمي البعيد, ويضيع نسيم ذاك الصوت في الخضم البشري الهائل , في عجيج الحضارة الصاخبة , في معمعة الزمن الموحش . و أيأس أنا عن البحث و التجوال و أركن إلى نفسي علني أثوب إلى رشدي ,,, لكني كنت قد تصدعت
لم أرسم لها صورة في مخيلتي , لأن صوتها الملائكي الشجي قد ألهمني أنها صوت فقط
أيام معدودة جمعتنا لوحدنا بمعزل عن الكون, سمعت صوتها و قد حذرتني مراراً , لكني تجلدت للأمر غرورا ًو ظننت أني جبل أو حجر . تبادلت معها أطراف الحديث فوجدتها  تحلق في ألم ٍ بريء , أنشودة ٌ عذبة الألحان ألقيت بجانب عين ماء باردة , بريئة كوردة تفتحت للتو و تفاجأت بضوء الشمس الساطع .
لم يجل بخاطري أن هذه الوردة ستميل بأوراقها على جدولي و تمد جذورها إلى أعماقي....
عندما أحسست منها ذلك قلت لها يا صديقتي :
حذار أن تحلقي في سمائي , أو أن تبحري في بحاري , أو أن تحومي حول أسواري, فإني و إن كنت لا أخشى على نفسي فإني أخشى على قلبك الضعيف الذي لم  يتمرن بعد على العذاب , و لم  يذق من جور الأيام  , لم يحتس ِ ألم المستحيل .
أنا يا صديقتي قلبي حجر مرنته جيدا وصفحت جدرانه  و أقفلت أبوابه . .. فلا سبيل إليه البتة و ولا منفذ إلى داخله , ولا أمل في فض أقفاله .
طأطأ العجوز رأسه  و قد أطلق زفرة طويلة  , حينذاك نهضت المرأة مرتعشة و قالت  : " سأجلب كوب ماء "
و ما أن عادت العجوز حتى أسفر الرجل عن وجه باك ٍ و دموع تسيل.
تجمدت المرأة فسكنت رعشتها و احمر وجهها و شعرت كأن قلبها يهبط
أردف الرجل قائلاً :
" هكذا ظننت نفسي , أني أقفلت قلبي فلا يدخله حب بعدك "
لم تحر  له جواباً ,  كانت متسمرة مشدوهة تتهاوى أعطافها إلي الأرض , و تنهار بقايا قواها و تتحطم في داخلها لوحات الأمس الجميل لتتبدى الصورة القاتمة التي لم تستطع أن تراها معلقة على جدار زوجها طيلة سني عمرها
" ما هذا الهراء يا رجل ... هل خرفت أم أنك تروي لي إحدى أقاصيصك ؟ "
قال لها  : وجدت نفسي أحبها , بل لا أقوى على العيش بدون حبها و أراها تمكث في أيامي كأنفاسي , تمنحني الابتسامة الحلوة , تصنع من روحي نغماً جميلاً في المساء  ليتردد بين جوانبي و أضلعي طيلة اليوم التالي . أحببتها بكل ما أوتيت من إحساس , وشعرت بقلبها امتلأ حبا ً و أملاً .... حيذاك عرفت أني قتلتها.
فأسرعت لأضمد جراحها و امسك سيل دمائها
قلت لها :" أعلم أني لن أراكي ما حييت " قالت : " رأيتك جائما ً في روحي "
قلت : " محال أن نصنع من حبنا قدرا ًجميلا ًيبعث على الحياة "   , قالت : " كفاني منك حبٌ يمتد معي إلى آخر الحياة
قلت : " لو  كنت أملك حيلة ما توانيت
كم أرغب أن أكون الآن بجوارك , أمسح الدموع عن خديك , و أقدم  لك كل تاريخي و صفحات عمري علها تكون ثمنا بخسا ًلدموعك .
عندما أدركت أنها أصبحت جزءا ًمن روحي لا ينفصل عنه حتى بالموت , و عندما أدركت أن المسكينة أتعبها الحب و أضناها , و أرعبها بعدي الشديد عنها , و أرهبها لقاؤنا المستحيل , صدمت بنفسي , كيف تجرأت على قطف وردة من بستانها , وردة لست أنا صاحبها ؟ كي فاعبث بأوراقها الندية ,  شممت رائحتها  العبقة ؟ كيف أعاقب نفسي و أصلح ما أفسدته يداي ؟
قالت لي : " ساعدني أرجوك  , أنجدني , أبعد عني هذا الحلم المخيف "
كيف أعيدها كما كانت نضرة ً , عبقة ً , تفوح عطرا ً و تشع بريقاً ؟؟؟؟ كيف اطهر قلبها من هذه الحب الآثم و كيف أعاقب نفسي؟؟
عندما أدركت أنها جادة في طلبها , راغبة في تطهير قلبها , بدأت أنا أقتل نفسي لأنقذها .
قلت لها :
ما كنت أحبك البتة و إنما أرت أن ألهو بصوتك
احذريني فانا أغزو قلوب الأبرياء فأحطمها
اكرهيني فأنا عصرت قلبك و مزقت أيامك و شتت رشدك , انقذي نفسك مني , اهربي إلى الواقع فأنا أغرق في الخيال
اذهبي إلى حيث تكبر الورود, إلى حيث تشعين كنجمة , إلى حيث تضائين كالقمر , لا تختبئي تحت وشاحي المظلم , لا تدفني نفسك في قلبي المريض , لا تنتحري بحبي الآثم.
أدركت  حينذاك أنها بدأت تراجع أوراقها , بدأت تثوب إلى رشدها
انقطع صوتها لبرهة  و برهتين , ثم ليوم و يومين
انقطع صوتها أياما و أشهر , و سنوات و سنوات
فعرفت أني ساعدتها
قلت من جديد : " ما حييت لن أنسى ذلك الصوت البعيد "
سقط كوب الماء من يد العجوز فارتعد الرجل و أفاق من غيبوبته فوجدها ترمقه بعينين واسعتين و شفتين مطبقتين , و تجاعيد صامتة
قال لها : " أردت الآن أن اعترف لك و قد نخرت الأيام  عظامي و أشعلت الشيب في راسي , لكي لا أموت مع ذلك الصوت ولا يموت ذلك الصوت معي "
همست العجوز بصوت كأنه دعاء الأموات :
" أتمضي   كل تلك السنون و أنا في غفلة من أمري , أمني نفسي برجل ما أحب غيري ؟
أعيش بين جوانبه و حبه يملا جوانبي
أيكون كل ذاك وهما طويلا ؟
كيف أسخر من نفسي؟
و صاحت بصوت مخيف: " أريد أن أعيش من جديد ..... أريد أن أموت "
كان الرجل قد ترك حبه ذاك من أجل زوجته , فما هان أن يخبر زوجته بما حصل , كانت زوجته هي الحائل الوحيد بينه و بين ذاك الصوت البعيد
و ها هو ذا بعد سنين طويلة يلقي عليها باعترافه فإذا بقلب المسكينة أضعف من أن يحتمل الاعتراف فتهاوت إلى الأرض و دفنت نفسها مع الكذبة التي صدقتها طيلة حياتها
ووقف الرجل صامتا ينظر إلى ماضيه و حاضره و مستقبله بعينه الدامعة
قال لنفسه : " الآن اختفى الحائل بيني و بين ذاك الصوت و أصبح كل شيء ممكنا ً
ضحك حتى الصباح , حتى اختفت النجوم   , حتى اختفى الظلام
ظل ضاحكاً لأيام
حتى أسكته هاتف آخر الليل , في آخر ليلة من حياته :
رفع السماعة فإذا به يسمع ذاك الصوت البعيد يتردد كنغم جميل بريء , تنعكس أصداؤه بين جوانب روحه , يخترق كل نقاط ضعفه, يسحب روحه من جذوره
ظل منتعشاً انتعاشة الموت , مرتعشاً ارتعاشة الشاة  مرَّ على عنقها سكين العيد , منتفضا انتفاضة السمكة أخرجت من بحرها
ظل يسمع الصوت حتى حلق معه في فضاء واسع جميل اختفت  فيه كل الحدود و العوائق , و امتلك جناحين كبيرتين يندفع بهما صوب الصوت الذي كان يسمو إلى السماء ..... بينما سقطت سماعة الهاتف إلى الأبد
عماد كوسا / تيريج عفرين 16 / 10 / 2010


تعليقات حول الموضوع

صديقك اللدود | كأني أعرفك يا صديقي
ليس بالضرورة فالانسان يضمر في داخله بحراً و يظهر عبرة ً لكن هذه العبرة مالحة مثل ذلك البحر
16:44:18 , 2010/11/30

صديق | تعليق
هل يمكن ان اسال : ان كان هناك اي رابط (صله) بين ملامح وجه المرء وما يلبس من الالوان والموديلات ومع ماينطق به كلاما او كتابة . اي ان مابداخل المرء يظهر في لبسه واكله وكلامه
00:00:54 , 2010/10/25



هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar