أبي الذي يأباهُ الإباء
أبي الذي زرعني قريباً من النهرِ..
وقال اجري حافياً
ليصب نهرُ عفرينَ انهماره
في قطرةٍ عالقة على جبهته..
أبي الذي روضني على الأغنيات
وقال ابكي جاثياً
انصت للموتى, للطبيعة
ولا تجادل الأكفأ ولا الأبكم
أبي الذي اقتبست الشمس لونها منه
منذ ذلك اليوم
صار يشرق علينا ويغيب شفقاً
يغيبُ بعضنا ويشرقُ بعضنا وداعاً
أغيبُ أنا
لأبقى جامداً في المغيب
آتيهُ لأتيه في الهوادج التي لا تنضبُ
أبي الذي شكلني شريكاً مع الغيبِ
وظنّ أني سأكون ظله
مريداً لحقول الزيتونِ ورائحة الزيزفونِ
إن الأوطان تضيعُ يا أبي
والشموع في المعابدِ لا تُمسكُ اشتعالها
فلا بأسَ إن ضاع أحد أبناءك
ساقطاً نحو السماءِ..
أبي الذي أعدني وعجنني لأكون طبيباً
عاندته وعاهدته أن أكون مجنوناً
أبي الذي اعتاد أن يلبس الابتسامة كقفازٍ
ينـزعُ مع النوم
صارت تعني له مسألة جنوني أكثرَ من الزيتونِ
أبي الذي حرص أن يحرثُ الأرض
ظل يُراهنُ السعف
اعتكف قريباً من الزيزفونِ
في المكان الذي اشتهيه واشتهاني منذ ثلاثين سنة
أبي الذي أضاع لونه في الحقلِ
صباغٌ غائمٌ اقتناهُ من حضرةِ الطينِ
ما مضى من أوجاعٍ
يعبئنه في خيشِ الإعدامِ
على أن يبقى بانتظاري وانتظاري بانتظاره..
كنت أرى حنين الأرض بيـن رئتيه
ووسادة الله كانت في زاوية إبـطه
أبي..
أما آن لك أن تعيدني
رائحتُكَ والريحُ لا تبرحني أبي..
تيريج عفرين 2 / 8 / 2010