الفن والثقافة والتراث هوية الشعوب ... فلنحافظ على تراثنا الفلكلوري الكردي ..... لمتابعة آغاني الملاحم الكردية والتراثية اضغط هنا  ::::   أحبتي زوار موقع تيريج عفرين ..... قريباً سيعود الموقع إلى نشاطه السابق . ::::   آخر لقطات بعدسة تيريج عفرين .... شاهد الصور  ::::    شاهد الآن كليب تيريجن عفرين 4.... تيريج روج آفا - الجزء الرابع  ::::    الوديان في منطقة عفرين ... اقرأ المزيد  ::::    سياحة من تراثنا الشعبي ..... المضافات في منطقة عفرين ودورها الاجتماعي  ::::   أهلا بكم في موقع تيريج عفرين ....... Hûn bi xêr hatin :::: 
EN
Fri - 19 / Apr / 2024 - 13:57 pm
 
 
http://www.tirejafrin.com/site/m-kamel.htm
الزاوية الأدبية »
هوامش للبوح و الكتابة

عندما طلب مني أن أكتب مقدمة لهذه النصوص ترددت طويلاً في القيام بهذه المهمة، فأنا واحد من الذين يكرهون المقدمات، ونادراً ما أقرأ مقدمة كتاب. وكنت وما زلت أحس أنها زائدة وتحاول أن تصادر من الكتاب والكاتب حرية التعبير، بل أكثر المقدمات وكتابها يحاولون أن يكونوا أوصياء وشيوخ كار يزكون هذا أو ذاك، وفي أكثر الأحيان دون أن يكونوا هم "مقتنعين" بما يكتبون. فهل بكتابتي لهذه الهوامش أرتكب فعل الخيانة مع أن الخيانة في هذا الزمن الأعوج أصبحت أمراً طبيعياً؟!. وبالمناسبة لا أعتقد بأن الزمن كان مستقيماً في يوم من الأيام.

قلت أرتكب خيانة، وذلك لأمرين، الأول: كما أسلفت، أما الأخر: فإنني لست من عاشقي الشعر وقد أعلنت وفي أكثر من مناسبة، أنني لا أحب الشعر، فهل بكتابتنا عن أشياء لا نحبها ـ وما أكثرها ـ نرتكب فعل الخيانة؟ فإن كانت فلتكن خيانة بيضاء، رغم شكوكي في بياض الخيانات.

لهذا وذاك لن أحاول أن أقدم أو أنظر للكتاب وأكون أحد الذين يصادرون حق القارئ في التعرف على الينابيع الأولى بأنفسهم، ولن أكون "مرشداً ودليلاً أدبياً" لأقودهم في أزقة وأنفاق متن الكتاب، وسأحاول أن أحترمه وأحترم فيه وعيه وثقافته، عندما ألغي هذه الوساطة بينه وبين هذه النصوص التي بين يديه، ولسبب آخر، كوني لست من فرسان هذا الحقل ولا حتى من رجالاته. فما هذه الأسطر إلا هوامش للبوح.

أسراب النوارس تهاجر البحر لتنتحر على الشاطئ، أفلا يحق للبحر أن يسأل: إلى متى تبقى نوارسنا على الشاطئ تموت جوعاً وتشرداً، وهل جففت من الأسماك ليكون النورس في الشاطئ جائعاً، وإلى متى هذا النزيف الإنساني، ألا يكفي البشرية أن دماء الأجداد قد انتصبت أعواد مشانق للتاريخ المغتصب ولدمعات ليلى الأخيرة؟!.

نعم إنه القيد، فأنت سجين قفصك من الحب إلى التمرد وحتى تمردك أسير الأقفاص ومحكوم عليك باللاوصول "فننهض بوجه ظالميها كأسد في قفص" وأنت تنتقل في قفصك بين مسارح السيرك والسياسة لتقوم بألعابك البهلوانية بين سخريات وضحكات ملوك المدينة المتحجرة. ومع أن كل المدن متحجرة؛ الأبنية من حجر وأرصفتها من حجر، أشجارها وينابيعها من حجر وحتى ناسها من حجر، مع كل هذا المد الحجري في المدينة، عندما يقول الشاعر "أيتها المدينة المتحجرة" فهو يصدمنا وفي الوقت نفسه يشعرنا بأن هناك خطأً ما، فنستدرك تماماً ويهيمن على أرواحنا السؤال التالي: لم المدينة متحجرة؟ وهل ـ تحجر المدينة ـ نابع من قروية عمر المصدومة بحجرية المدينة أم نابع من تجربة غنية بين أحجار المدينة المتحجرة؟.

وبعد السؤال: أيكون الرحيل أم الثورة؟ ولكن أليس الرحيل عنها هو شكل من أشكال الثورة عليها؟! فها هو يرحل بعد أن يعلن عليها الثورة، على المدينة التي تأكل وليدها تاركة غدرها يأكل غدره لتنتصر الهزيمة. هذه الثنائية المتناقضة ـ انتصار الهزيمة ـ توحي بأجوائها اللاهوتية بين قوتي الخير والشر وسرياليتها وإمتداداتها بين الأزل والأزل لتوصلنا إلى العماء الأزلي.. . إلى "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله".

فهذا العماء المائي على امتداد جغرافية النصوص هو عودة إلى بدء الأشياء والأماكن والتكوين والخلق، والبحر هو الآخر امتداد له، بل "الموجة تكحل جثتي المترامية على الشاطئ"، وما هذه الجدلية بين الموت والبحر، الله والبحر، أهي ترمز وتؤسس لتناقض آخر وبذلك تعمق المأساة الشرقية؛ والكل يعلم عطاءات البحر، أم هي إمعان في تعميم حالة الموت في أوسع وأعمق بؤر الحياة والخلود / البحر/.

و لجبران مخلوقات نورانية، فمن خلال قصيدة "سلمى كرامة" يبوح لنا الشاعر صمته ورحلته بين المجهول والمجهول و "الصمت قد أفاق الصمت في داخلي" و هاهو يحاول أن يحلق بعيداً عن الغرق في أوحال / اليومي/ ولكن هناك سلمى "أسطورة هذا القلب الجريح" والتي تشده إلى مادتها الترابية الوحلية على ضفاف الخابور والفرات، فينحني كما "الوردة تنحني للمطر" ويتكور إلى داخله إلى أن يجد نفسه صامتاً كشلال هادر يأكل نفسه في هروبه ونفيه إلى عوالمه وأفكاره ونتساءل معه: هل هو "انتحار أمام محراب عينيها" أم إعادة السيوف إلى أغمادها، أم الخوف من الجميل والجمال؛ "لا أطلب قربك يا جميلة لأنك جميلة". ولكي يتخلص من "عذابات الحب" يلجأ إلى قبرها وقبر نفسه ويقبر معها أحلام وطن بات لا يعرف من ألوان قوس قزح غير اللون الأسود.

هذا السفر عبر السؤال والشوارع المجهولة و "جدارات الفراق" هل أوصله إلى أجوبة ملغومة أم "تلاعبت به رياح الأقدار"، وكان قبضاً على السراب. إنه التيه والضياع والبعثرة في الأنين والصراخ، والصمت عناوين ومحطات سفر لهذا التشتت واللامعقول؛ إنها "فردوس من التيه"، مازوشية اللامنتمي في حضارة البترودولار "الروح تتلذذ بالعذاب والألم". ولكن، ورغم ذلك، هناك نقاط وعي وإدراك في هذا التماهي فهو يصرخ وبعقلانية باردة ليوقظنا على حقيقتنا؛ بأننا جزر متفردة ومعزولة في عماء حضارتنا الجديدة، "أمضي لا شيئ يمضي معي، أقف كل الأشياء تمضي" وهنا أتساءل: هل حقاً هناك جرائم فوضوية وأخرى منظمة، أم هي عبثية الكلمة ـ المصطلح؛ فالجريمة إما أن تكون جريمة أو لا جريمة. وهل الجريمة سمة العصر ـ عصرنا و عصر غيرنا ـ، إننا نترك الأجوبة لأطفال ديرسم، دير ياسين، قانا، حلبجة، مذابح الأرمن والهولوكوست.. . القائمة طويلة طول مقام عشتار، أكان محكوم على بني آدم أن يقتل قايين أخاه ليروي بدمه رمال القفار. لقد بدأت "الروح تتفتت تحت أقدام النسيان" وأحقاً هو نسيان أم "تاريخ أرجل ملطخة" و "همجية الخطوات" تحت ظل آلاف الآلهة وهم راكعون للقمر.

و السفر في جغرافية المكان هو "رحلة الصقيع من عفرين إلى عامودا"، من الشمال إلى الشمال، إنه التيه بين منفى ومنفى والبحث عن الهوية وعن قلب تائه.. . بين سواد الغيوم عن نافذة للخلاص والروح، عن حرية مهتوكة تبوح بأسرار الخريف والزيتون.

و في قصيدة / حفنة من محاولات النسيان / يعود بذاكرتنا ـ كما هو الحال في أكثر قصائده ـ إلى الماضي حيث يتكئ على الأسطورة ورموزها ومدلولاتها. ففي هذه القصيدة يحاول أن يحاكم تاريخ وحضارة الرجل من خلال ذاته "لأنفذ بحق ذاتي حكم الإعدام"، فهو ـ الرجل ـ الذي جعل جرح "أم الهول" عميقاً نافذاً إلى القلب، لتكون ضحية ذكورته ـ حضارته. إنها "إماتة" التي جعلها الإسكندر قرباناً له على منبر فحولته وهو "يمضي مثل جلجامش بحثاً عن خلود صلواته في معبد نهديها". بل وهو يطل من "شرفة الجرح الأخضر.. على تاريخ ملغوم بالضحايا" و "القرنفل الموجوع النازف.. ".

أفلا يحق بعد هذا أن نقع، أحياناً، ضحية للإيديولوجيا كـ"وقوع" سيزيف تحت عبء صخرته. "أمضي في المعراج صعوداً في جبال حبك، حاملاً ـ كسيزيف ـ صخرة من نيران الكادحين" إنها لعنة الإيديولوجية وهي تلاحق الكردي في حله وترحاله؛ محكومون ومتهمون بالهم السياسي، فهل هو الآخر قدر ملعون أم "نبيذ في حضرة الجرح والموت"، أم / سمفونية رجل حامل / و "هل يحمل الرجل طفلاً في بطنه؟". ربما، ولكن أعتقد أنه طفل مؤود، حتى نتخلص من صراخه الدائم بأن حياتنا "منقادة خلف الموت" والشاعر يحاول أن "يوقظنا من رقادنا الطويل"، من سكرتنا بالورود الذابلة. والقصيدة تتماهى مع قصة الصديق القاص عبد الحليم يوسف والتي بعنوان "الرجل الحامل" ضمن مجموعته التي تحمل نفس العنوان.

هذا الموات المتماهي والمنتشر في كل الاتجاهات ومن الوريد إلى الوريد، "أبحث في أعماقي / عن تابوت الحياة" أهو العبث أم البحث عن الكفن لنكفن بها "ظنون النهاية". إذاً أين يكمن الخلود، هل في الحب؛ "الحب سيبقى كما الله باق"، ولكن هل الله باق، ألم يسرق هو الآخر منا بعد رحيل الأنبياء، وتركونا نصرخ مع نيتشيه "مات الله".

و للوطن ذكريات وتاريخ من رماد، ورائحة الدخان تحجب الشمس عن وجهها الميدي، ويمضي الزمن في طريق الخيانة ويتفجر السؤال: أ "وطن بلا شعب" أم "شعب بلا وطن" أم "سراب صحراءٍ من خيال" لكي "تبعث فينا روح الموتى" وتتسع دائرة السؤال لنسأل مع عمر: أيكمن الخلاص والانفلات من هذا الزمان الدائري واللحاق ـ بالرقم ـ الذي يليه "بأن نمتطي صخرة الحب"، أم "نلتف بالعباءة السوداء" وننام مع النمل دهوراً أخرى. فهناك من "دعا إلى الحق تسعة قرون" وقرود "دون أن يصدقه أحد".

أننمذج هذا المثال ونكفي البلاد والعباد شرور لوثتنا بالطفولة ونحن نصرخ ملء أشداقنا بأن الملك عارً وعارٌ. ففي زمن "الحب خدعة والحرب هزيمة" هل "ستصمد الشمعة بوجه الريح". أشك في ذلك و هاهي الانتصارات والفتوحات تتوالى على الجسد الأنثوي وهم يتسلون بحفر خنادق جديدة. فلا "انتصار إلا للأنذال" وأنت طفل على أبواب الحانات و "أرصفة الحزن" و "اليد مبتورة"، فلم يبقى لك إلا أن تبحث عن رغيف خبز جاف أو "عصفورة ميتة منذ الربيع".

و يبقى السؤال الأهم: "إلى أين المصير.. ؟". سؤال عريض، وهل تكفي حياة واحدة للإجابة عليه أم نحتاج حيوات أخرى. فمنذ عذرية الأساطير وابن آدم يبحث عن إجابة ومن ثم يعلن انتحاره، ولكن "الدروب تتسكع" أمام سكره، وكلما حاول أن يرافق واحدة منها تنفتح على الهاوية وخيانات الأحلام وهي تعاشر رجالات القبيلة، الساهرين على أقبية النور وكوات الظلام، بعلنية عاهرة. وصحيح أن "النور لا ينام" ولكن هو الآخر أصبح من تابعي ـ تابعي الملك، الذي وقف منادياً في أتباعه: فإن كنا سلبناكم النور فـ "إنا أعطيناكم الكوثر و.. جناناً" من رماد.

ولا يبقى إلا أن أقول هذا و.. . كنت قد قلت في البدء: إنني لن أقدم الكاتب أو الكتاب. و ها إنني خنت، وأخون العهد وأقول: إن عمر. ل. حسن شاعر حزين من دون ضجيج، وحتى ضجيجه هادئ، بل أحياناً يكون صامتاً. فبعد رحيل " لورا" لم يعد يهمه إن كان "وردة ذابلة في حقيبة" أو "جواز سفر ٍ مؤقت" أم "شاعراً حزيناً". ولا مفر فالساعة قد دقت ونسيت الأشياء أن لها ذاكرة من ماء، وذاك "الإله القابع في سفن الانتظار" نسي أن الموانئ قد هاجرت تاركة خلفها مصابيح باردة، تفتش بين "أوراق الأمس" عن معنى "التشتت والضياع"، عن التيه و "جفون الحرمان". عن "أناهيتا" ومعاركها الخاسرة والعشاق الخائنين ـ الخائبين؛ تاركين، وحدها، على قارعة الحدود والملوك وتجار الخيبة، لتصارع هي الأخرى ذاك التيه "وتبحث للمرة الألف" عن.. هوية. 

بير رستم
pirustem@scs-net.org


هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

إسمك :
المدينة :
عنوان التعليق :
التعليق :


 
 |    مشاهدة  ( 1 )   | 
http://www.tirejafrin.com/index.php?page=category&category_id=204&lang=ar&lang=ar